أيّها الاتّحاديّون اغسلوا العار

بقلم: محمد بلعيش: 

إنّ التّقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات، يسائل بصفة مباشرة، جدوى الممارسة السّيّاسية في المغرب. ويضع أكثر من علامة استفهام، حول نموذجنا الدّيمقراطي. لأنّه لا يمكن بناء دولة ديمقراطيّة بأحزاب مشكوك في نزاهتها. كما لا يمكن أن تنضج الدّيمقراطيّة، بعيدا عن تفعيل مبدأ ربط المسؤوليّة بالمحاسبة؟

الأكيد أنّه في أيّ نموذج ديمقراطي معافى، ما كان التّطاول على المال العام، أن يمرّ وكأنّ شيئا لم يكن. بل كانت هذه الفضيحة، لتعصف دون تأخير، بكلّ من تورّط فيها. لكن وبما أنّنا نموذج “استثنائي”، يتغيّر فيه كلّ شيء، من أجل ألّا يتغيّر أيّ شيء -كما كان يردّد الأخ محمد عابد الجابري- فإنّ مصّاصي المال العام، مازالوا على رأس مسؤوليّاتهم، مرتاحي البال، وكأنّ المال الذي تصرّفوا فيه، لا يخصّ هذا الشّعب.

مثل كثير من الاتّحاديّين والاتّحاديّات، لم أستطع إلى حدود هذه اللّحظة، أن أستسيغ خروج بعض الأصوات، لتنافح عن مصّاصي المال العام. ولتصطفّ مع الفساد، ضدّ المصلحة العليا للوطن. لم أستوعب كيف صار الاتّحاديّون والاتّحاديّات، يركنون إلى الفساد السّيّاسي بهذا الشّكل المستفزّ. فمن أصل 37 صوتا في ذلك الاجتماع، لم يخرج سوى صوت معارض واحد ينكر على الزّعيم فعلته. هل من كان يترأس الاجتماع “كيم جونغ” مثلا؟ لست أدر. لكن الواقع يقول بأنّ الاتّحاديّين والاتّحاديّات الّذين لم يخفهم لا أوفقير ولا البصري، صاروا الآن يتحاشون زعيمهم إمّا طمعا أو رهبا.

إنّ ما يحدث الآن، يتجاوز الخلافات التّنظيميّة، ويسائل المبادئ الاتّحاديّة في جوهرها. فصورة الحزب لم تعد مهزوزة لدى الرّأي العام المغربي فقط، بل قد تتعدّاه قريبا إلى الأصدقاء داخل “الأمميّة الاشتراكيّة”. أنا “نتمتم” وأنت تفهم.

إنّ الواجب الوطني أوّلا، والأخلاقي ثانيّا، والنّضالي ثالثا، يفرض على الاتّحاديّين والاتّحاديّات، بأن يحرّكوا المسطرة القانونيّة، وبأقصى سرعة ممكنة. يجب أن يقول القضاء كلمته، ويأخذ كلّ ذي حقّ حقّه بكلّ شفافيّة. وفاء للوطن أولّا، واحتراما لتاريخ الحزب ثانيّا، وغسلا لهذا العار الذّي جلبه إلينا ضعاف النّفوس أمام المال العام ثالثا. سيكون خطأ تاريخيّا جسيما، أن تأتي هذه الخطوة من خارج أسوار الاتّحاد الاشتراكي. ولا يجب بأي ّ شكل من الأشكال أن يترك الاتّحاديّون والاتّحاديّات المبادرة لجمعيّة حماية المال العام، أو النّيّابة العامة أو المجلس الأعلى للحسابات، أو أيّ طرف آخر لفتح تحقيق في هذه الفضيحة. لأنه إن حدث ذلك، فسيحاكم حزب كامل بكلّ تاريخه وشهدائه وتضحيّاته وإنجازاته، ومناضليه ومناضلاته، وليس من تورّط في هذا الملفّ فقط.

إذا لم ينتفض الاتّحاديّون والاتّحاديّات، ضدّ مصّاصي المال العام، فلن يحقّ لهم مستقبلا، أن يدرجوا “تضارب المصالح” أو “حماية المال العام” أو “تخليق الحياة السّيّاسيّة” ضمن أوراقهم أو برامجهم الانتخابيّة، لأنّ الشّعب، كما الفاعلين السّيّاسيّين، سيذكّرونهم بمكتب الدّراسات، كما يذكّرون الآن العدالة والتنميّة بالتّقاعد السّمين لزعيمهم الممدّد في “الصالون”.

أيّها الاتّحاديّون والاتّحاديّات، اغسلوا هذا العار بالتّوجّه نحو القضاء اليوم قبل الغد.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.