بقلم الكاتب مصطفى لغتيري : الدكتورالهادي الهروي يقارب جائحة كورونا سوسيولوجيا .

منذ أمد طويل اعتاد الدكتور الهادي الهروي أستاذ الفلسفة والباحث في علم الاجتماع أن يقارب عددا من الظواهر الاجتماعية في عدد من الكتب، التي صدرت له تباعا، رسخت إسمه كأحد السوسيولوجيين المغاربة المتابعين لجل الظواهر التي تستجد في المجتمع المغربي، ولم تكن ظاهرة وبائية كورونا لتمر مرور الكرام على باحث من طينته، لذا اختار أن يدرسها في كتاب، فقال في في مقدمته ” إن الموضوع الذي نقاربه موضوع طارئ لم تتوقع البشرية في ازمننتنا الراهنة حدوثه، ولم يسبق أن عرفت مرضا باسم كورونا فيروس أو كورونا التاجية)covid-19(، كما لم يسبق ان فكرنا فيه، بل هو الذي فكر فينا وأرغمنا على المجيء إليه.” ويضيف الباحث قائلا” فالضوضاء التي احدثتها كورونا فيروس جعلتنا نبحث عن الآليات والقوالب الكفيلة لمقاربة هذا الموضوع سوسيولوجيا ووضع خطة طريق لاستنطاق محتويات هذه الضوضاء ومختلف الآراء المنسوجة حولها وإمكانية المساعدة على اقتراح الحلول” .
وفي الفصل الأول من الكتاب الذي سماه بمبادئ الدراسة، تناول فيه الباحث مصطلحات بعينها في إطار ما أطلق عليه “المفهمة”، ومنها مفهوم الصحة ومفهوم الجنسية والجنوسة ومفهوم المرضومفهوم الوباء ومفهموم الجائحة ومفهوم الحجر الصحي ومفهوم الكمامة ومفهوم الهوية ، ثم انتقل في نفس الفصل إلى ما أطلق عليه” الأشكلة” قائلا ” لكي نجعل الموضوع أكثر إثارة وعلمية، يمكن الإنطلاق من الإشكالية العامة التي جعلت من كورونا فيروس حدثا إستاثر بملايين البشر عامة وخاصة، حضريين وقرويين، متعلمين وأميين،” محاولا طرح اشكالات عميق لمقاربة هذه الظاهرة/ الوباء. من قبيل هل تكون كورونا فيروس مدخلا لمسار مجتمعات متعددة الثقافات او عاملا للإنطواء والإنكماش على الذات؟ منطلقا من فرضيات ثم محددا متغيرات الدراسة.
أما الفصل الثاني فقارب فيه الباحث نوعية المنهجية محددا اياها في تقنية المقابلات وملأ الإستمارة وجمع الوثائق وتفريغ الاستمارات. ليتحدث في ما بعد عن طريقة البحث الكمي وطريقة البحث الكمي، ليخبرنا في ما بعد بنوعية العينات التي اعتمد عليها محددا مجالها الجغرافي، حيث يلاحظ أن توزعت على جل جهات المغرب. معززا ذلك بأرقام وإحصائيات دقيقة، ومستنتجا خلاصات تساعد على مقاربة الظاهرة بشكل علمي.
في الفصل الثالث إهتم الباحث بما سماه تاريخية الوباء والجوائح، وتناول فيه سيرورة الاوبئة ومخلفاتها، ثم ركز على الأوبئة في المغرب من خلال تركيز حديثه عن الطاعون والكوليرا والجدري، ليننقل فيما بعد لرصد بعض المعطيات التعريفية المعرفية عن كورونا فيروس محاولا تتبع مسار ظهوره وانتشاره، انطلاقا من ظهور سارس وتناسله وتطوره، دون ان يفوته الحديث عن التفسير التقليدي البدائي للوباء والعلاج الذي يعتمده البعض في محاربته، انطلاقا من ترسانتهم العلاجية التقليدية.
القسم الثاني من الكتاب خصصه الباحث للجائحة بين التفسير والتأويل، محاولا الانطلاق من بعض الفرضيات والاقتراحات من قبيل هل يمكن تفسير الجائحة باعتبارها نتيجة للبذخ والمتعة والازدهار والرخاء حسب المنظر الخلدوني، ام العكس، ليتساءل في نفس الوقت عن المداخل والمواقف والمقاربات الكفيلة بتفسير دقيق للجائحة.
في هذا القسم تناول الدكتور الهادي الهروي في الفصل الأول مقاربات العلوم الاجتماعية باعتبار كورونا فيروس مشكلة سوسيولوجية، ثم تحدث عن المقاربة السيكولوجية، ولم يفته الحديث عن المقاربة الفقهية الدينية، وخلالها ناقش بعض الفتاوي الدينية بهذا الخصوص.
أما الفصل الثاني فناقش فيه الباحث كورونا بين خطاب العلم وخطاب القدر، ثم كوفيد والأخلاق، وكورونا والسياسة، والانحراف في زمن كورونا، ثم توقف عند المقاربة الأمنيةو تدخلات الدولة في ظروف هذه الجائحة.
في القسم الثالث من الكتاب ركز الباحث على المقاربة الإحصائيةباعتبار ان مقاربة الجائحة وفهمها وتحليلها يتطلب استحضار التحليل الإحصائي ولو في شكله الوصفي والإلمام بمبادئه لقياس الظاهرة وتفسير نتائجها وتقييمها وإصدار الحكم عليها، ويتابع الدكتور الهادي الهروي قائلا بأن أهمية الموضوع وراهنيته فرضت عليه تناوله إحصائيا وبالتالي توظيف مفاهيم إجرائية وتقنيات كالنسب المئوية والمعدلات والمتوسطات الحسابية والتوزيعات التكرارية والمنوال ومقاييس التشتت وتوظيف معامل ارتباط” بيرسون” والتحليل الإحصائي للجداول والعلاقات بين المتغيرات وجمع الاستبيانات والنقط القياسية لرأي عينة الدراسة بهدف صياغة الحكم اللازم حكما متجانسا وشفافا.
يختم الباحث كتابة بخلاصة تحدث فيها عن بعض ما توصل إليه من استنتاجات خلال هذه الدراسة، ومن بينها قوله ” صحيح أن المغرب تعامل مع الجائحة بكثير من العقلانية والجدية في تدبير الازمة منذ بدايتها،إلا أنه شاب تدبيره نوع من الفتور والانهزام امام رغبات الفئات الخاضعة لمحنة التراث ومحك التقاليد والطقوس”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.