الإساءة للذات الإلهية بين حرية التعبير واللعنة الاجتماعية
بقلم:مريم مستور:
_تشهد مجتمعاتنا في السنوات الأخيرة جدلًا واسعًا حول حدود حرية التعبير، خاصة عندما يتعلق الأمر بالإساءة إلى الذات الإلهية أو الرموز الدينية والمعتقدات الروحية. فبين من يعتبرها ممارسة لحق أساسي من حقوق الإنسان، ومن يراها تعديًا صارخًا على المقدسات وتجاوزًا للقيم الأخلاقية، تقف المجتمعات أمام إشكالية معقدة تحتاج إلى توازن دقيق.
_فحرية التعبير تُعدّ أحد الركائز الأساسية في المجتمعات الديمقراطية، وهي حق يكفله الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادة 19). غير أن هذا الحق ليس مطلقًا، بل يُقيّد عندما يتعارض مع حقوق الآخرين أو مع النظام العام. الإساءة إلى الدين لا تُعتبر مجرد تعبير عن رأي، بل قد تتحول إلى خطاب كراهية يزرع الفتنة ويهدد السلم الاجتماعي.
_الإساءة للذات الإلهية ليست مجرد كلمات عابرة، بل هي انتهاك لمشاعر ملايين المؤمنين الذين يرون في دينهم مصدر الهوية والكرامة والقداسة. مثل هذه الأفعال تولّد ردود أفعال غاضبة قد تصل إلى صدامات اجتماعية أو حتى عنف، وهو ما يجعلها أقرب إلى “لعنة” تهدد تماسك المجتمعات.
_تختلف التشريعات من بلد إلى آخر:
في أوروبا: هناك حماية لحرية التعبير، لكن قوانين عديدة تجرّم “خطاب الكراهية” (مثل ألمانيا وفرنسا) وتشمل أحيانًا منع التجديف إذا حمل طابعًا تحريضيًا.
في العالم العربي والإسلامي: غالبية الدول تُدرج الإساءة إلى الذات الإلهية أو الأديان ضمن جرائم ازدراء الأديان، وتفرض عقوبات قد تصل إلى السجن أو الغرامات.
مثال: المادة 98 (و) من القانون المصري، أو الفصول 220 و221 من القانون الجنائي المغربي.
في القانون الدولي: العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المادة 20) يمنع أي دعوة إلى الكراهية الدينية التي تشكل تحريضًا على التمييز أو العداوة أو العنف.
_لا يمكن للمجتمعات أن تتقدم بقطع ألسنة الناس ومنع الحوار، كما لا يمكنها أن تقبل بتحويل الحرية إلى وسيلة للاحتقار والإهانة. المطلوب هو ثقافة تحترم التعددية، حيث يُفرّق بين النقد العلمي والفكري المشروع وبين الإساءة المتعمدة التي تستهدف إثارة الفتن.
_الإساءة للذات الإلهية ليست حرية بقدر ما هي تشويه لقيمة الحرية ذاتها، لأن الحرية إذا لم تُقيد بالمسؤولية تتحول إلى فوضى. والمجتمعات التي تريد الحفاظ على السلم الأهلي عليها أن تضع قوانين واضحة تحمي حرية الرأي، لكن دون أن تترك ثغرات تُستغل لتأجيج الكراهية أو الاستهزاء بالمقدسات.