الجزائر بين خيارين: التضحية بالمحتجزين في تندوف أم مواجهة غضب واشنطن

العيون _منير نافيع :

 

تعيش الجزائر اليوم على وقع لحظة مفصلية من تاريخها السياسي، حيث وجدت نفسها أمام استحقاق دولي غير مسبوق، فرضته التطورات المتسارعة في ملف الصحراء المغربية، والمهلة الأمريكية الأخيرة التي لم تترك لها هامشا واسعا للمناورة. ستون يوما فقط تفصل الجزائر عن لحظة الحسم: إما أن تتجه نحو الواقعية السياسية وتضع حدا لسياسة الهروب إلى الأمام، وإما أن تختار طريق العزلة وتغامر بمواجهة مفتوحة مع القوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة.

منذ عقود، بنت الجزائر خطابها الخارجي على دعم ما تسميه “حق تقرير المصير”، متخذة من جبهة البوليساريو ذراعا سياسيا وأمنيا لمعادلة المغرب في المنطقة. غير أنّ هذا الخطاب فقد بريقه مع تحوّل المشهد الدولي، خصوصا بعد أن تزايدت قناعة القوى الكبرى بأن استمرار النزاع لا يخدم سوى التنظيمات المتطرفة وشبكات التهريب العابرة للحدود، التي اتخذت من فراغ تندوف مجالا آمنا لنشاطها.

المهلة الأمريكية لم تأت عبثا، بل تعبر عن إرادة واضحة لإغلاق هذا الملف الذي طال أمده، ووضع حد لسياسات المماطلة. فواشنطن تدرك أنّ بقاء الجزائر في موقفها الحالي يعرقل مسار الاستقرار في شمال إفريقيا، ويهدد مصالحها الاستراتيجية في الساحل، حيث تتحول الفصائل الانفصالية إلى بؤر توتر مفتوحة، تغذيها الأوهام الإيديولوجية والمصالح الضيقة.

الجزائر اليوم مطالبة بأكثر من مجرد التصريحات الدبلوماسية. عليها أن تثبت للعالم أنها دولة مسؤولة، قادرة على اتخاذ قرارات سيادية تعلو على الحسابات القديمة. فاستمرار احتجاز آلاف المواطنين في مخيمات تندوف، تحت سلطة فصائل فقدت شرعيتها الأخلاقية والسياسية، لم يعد مقبولا لا من الناحية الإنسانية ولا من منظور القانون الدولي. إن السكوت عن هذه المأساة الجماعية أصبح شراكة في الجريمة، ومسؤولية تاريخية لا يمكن التنصّل منها.

لقد تغيرت موازين القوى، وتبدلت لغة المصالح. والمغرب، الذي تقدم بمقترح الحكم الذاتي كحل واقعي وجدّي، استطاع أن يفرض رؤيته في الساحة الدولية بفضل نهج دبلوماسي هادئ ومتزن، وبفضل دعم متزايد من القوى الكبرى التي ترى في هذا المشروع ضمانة للاستقرار والتنمية المشتركة. في المقابل، مازالت الجزائر أسيرة خطابها العدائي القديم، تُنفق مواردها على صراع لم يعد له أي مبرر، بينما يعاني شعبها من أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة.

السؤال المطروح اليوم ليس فقط: هل ستضحي الجزائر بالمحتجزين في تندوف، بل: هل تملك الجرأة السياسية للاعتراف بأن الطريق الذي سارت فيه منذ نصف قرن كان طريقا خاطئا، وهل ستتغلب على منطق العناد العسكري الذي حول السياسة الخارجية إلى ملف أمني مغلق.

الواقع أن الجزائر أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن تُنصت لصوت العقل وتتعامل مع التحولات الجديدة بواقعية وشجاعة، فتفتح صفحة جديدة مع المغرب ومع المجتمع الدولي؛ وإما أن تواصل سياسة المكابرة، فتخسر ما تبقى من مصداقيتها، وتدفع ثمن عنادها من أمنها واستقرارها الداخلي.

وفي كلتا الحالتين، فان التاريخ لن يرحم، والشعوب لا تنسى من تاجر بمعاناتها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.