أوراق ونقوش برديات مصر القديمة: ايزيس: بين الحضور والغياب

مجدالدين سعودي رئيس التحرير/
 
استهلال

تقول مروه رسلان: (الغريب أن المصري القديم، ووفقًا لتلك القصائد التي جاءت في تلك البرديات، أظهر مدى احترام المصريين للمرأة …  وقد حفظ لنا ذلك الأدب العديد من الألقاب، فهناك من أطلق ألقابًا علي الملكة أو المحبوبة أو الزوجة، تؤكد مكانتها في القلوب من بينها، كلقب جميلة الوجه، عظيمة المحبة، المشرقة كالشمس، منعشة القلوب، سيدة البهجة، سيدة النسيم، سيدة جميع السيدات، جميلة الجميلات، سيدة الأرضي…)1

وايزيس تجمع في الحقيقة كل هذه الألقاب، فهي (جميلة الوجه، عظيمة المحبة، مشرقة كالشمس، منعشة القلوب، سيدة البهجة، سيدة النسيم، سيدة جميع السيدات، جميلة الجميلات…)
ولهذا تم بناء معبد أبيدوس لتخليد قصة العشق الأبدي لإيزيس وأوزوريس، تقول ميريت أمين في هذا الصدد: (معبد أبيدوس.. أحد أهم المعابد المصرية القديمة، فتخطيطه المعماري الفريد، وجمال نقوشه، وروعة ألوانه، بالإضافة إلى الرسومات النادرة التي تحتوي عليها جدرانه، جعلته يكتسب أهمية خاصة تاريخيا، وكلمة أبيدوس هو الاسم الحالي لعاصمة أقاليم مصر العليا في العصر الفرعوني، هذا الاسم اليوناني مشتق من أحد أسماءها الهيلوغريفية القديمة وهو “آب جو”، والتي كانت مركزًا لعبادة المعبود “خنتي أمنتيو” قبل أن تصبح مركزًا رئيسيا ً لعبادة “أوزير”، وهي من أغنى المواقع الأثرية في مصر)2
1 في الغياب
تقول الأديبة والناقدة اللبنانية علوية صبح: (وفي بعض الغياب حضور كثيف)، وهذا ما فعلته ايزيس، فهي الالهة الحاضرة دوما رغم الغياب، ويصدق فيها ما قاله ويليام شيكسبير: (من نحبهم بشدة.. يختارهم الغياب بدقة.)
ايزيس سيدة البهاء والصفاء..
وكأن واسيني الأعرج يقول لايزيس: (الحب أبسط من تعقيداتنا، أن تفكر كل يوم بأن هناك شخصاً معلقاً عىي كلماتنا وحركاتنا وحواسنا وعطرنا، هذا هو المهم حتى في لحظات الغياب القاسية)، ولهذا فللغياب جمالية تكمن كما قال واسيني الأعرج مرة أخرى: (كلما طال الغياب.. كان اللقاء أروع وأجمل!)
جاء في قصيدة (إيزيس العاشقة الأولى):
(تعالى نحو بيتك تعالى إلى بيتك،
 أنت يا من لا أعداء له،
أيها الشاب الجميل الطلعة،
 تعالى بيتك لكي تراني،
لا تفترق عنى أبدًا،
 أنا لا أراك ولكن قلبي يتطلع للقياك،
 وعيوني تبحث عنك،
 تعالى يا من توقف قلبه عن الخفقان،
 إنني أناديك ويرج صراخي أجواء السماء،
ولكنك لا تسمع صوتي،
 أنت لم تحب امرأة أخرى سواي).3
2 في الحضور
اسم ايزيس هو رمز العطاء ويسبح بقوة في عالم الملكوت، وهو اسم حاضر في التاريخ، ولهذا كتب جمال الغيطاني: (من لا اسم له، لا حضور له). وايزيس البهية حاضرة في شموخها وغيابها، حاضرة بابتساماتها وعشقها الورد الأحمر…
هو حضور معنوي أشار اليه أنيس منصور، فقال: (قد يكون أقرب الناس إليك أبعدهم عنك، ويكون أبعدهم عنك أقربهم إليك، فالقرب بالشعور لا بالحضور).
ذات سمر بهي، هتفت ايزيس: (أحضر فتغيب وأغيب فتحضر).
فأجبتها بلسان جيمس جويس: (الغيابُ هو أعلى أشكال الحضور.)
جاء في احد نقوش البرديات الفرعونية القديمة: (أنا صديقتك الأولى، أنظر!، أنا كالبستان الذي زرعته زهورًا، بكل أنواع العشب العطر الرقيق، جميل هو المكان الذي أتنزه فيه عندما تكون يدك في يدي، جسدي في غاية الراحة، وقلبي مبتهج لأننا نمشي معا، أنا أحيا بسماع صوتك، وإذا نظرت إليك، فكل نظرة بالنسبة لي أطيب من المأكل والمشرب. )
وجاء فى ترنيمة نفتيس إلى أوزوريس:
(أحضر توا يا سيدي يا من ذهبت بعيدًا
 أحضر لكي تفعل ما كنت تحبه تحت الأشجار
لقد أخذت قلبى بعيدًا عنى آلاف الأميال
 معك أنت فقط أرغب فى فعل ما أحب
إذا كنت قد ذهبت إلى بلد الخلود فسوف أصحبك
فأنا أخشى أن يقتلنى طيفون (الشيطان ست)
 لقد أتيت هنا من أجل حبي لك
 فلتحرر جسدى من حبك).4
خاتمة
قلت لايزيس: في غيابك حضور، وفي حضورك بهاء.
ذات حضور قال محمود درويش: (تعالي نخون الغياب ونلتقي)
وكل غياب بطعم الحضور وأنتم بألف بهاء ونقاء وصفاء.
 
مجدالدين سعودي. المغرب
 
احالات
1 مروة رسلان: (برديات: قصائد الحب والعشق تحكي عن غرام المصريين القدماء)

2: ميريت أمين: (معبد أبيدوس: قصة العشق الأبدي لإيزيس وأوزوريس)

 3 النداء الأبدي: (ببردية برلين رقم 3008)

4 (ترنيمة نفتيس إلى أوزوريس)

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.