بؤس قصة يكتبها : الأديب الجزائري عبد الستار عمورة

 

فرضت الظلمة قسوتها..مزقتها ومضات برق مخيف و قصفات رعد رهيب .. زقاق ملئ بالحفر .. أكوام القمامة تنتظرالإجلاء . داهمتني الأمطار ..احتميت تحت شرفة بيت “كولونيالي”..تحسست بابه الخشبي العتيق .. كان وقتها مواربا ، مصفد بسلسلة صدئة .
اندفع صوته المخنوق بحشرجة دمع مطمور: ” كنت أرعى أغنامه وأنا طفل ذو فاقة .. أسمالي بالية ورجلي حافية زادي رغيف وفراشي قش ودفئي أنفاس الأغنام .. ودعني أبي بكيسين هزيلين من القمح والذرة.
ارتعدت فرائصي ..طفق جسمي يرتجف ..قشعريرة ضمتني ..غصة خنقت أنفاسي ..تشنجت أرجلي ..لم أستطع وقتها الإنفلات من هذا المكان الرهيب.
أياد ملطخة بالرماد وآثار الصقيع بادية عليهما، امتدت إلي من الداخل..أطبقت على ذراعي الهزيلتين ..رجتني رجا.
صوته المخنوق أفزعني هذه المرة أكثر فأكثر و هو يهمس همسا : – “عدت بالقطيع في يوم مثلج .. لا يسترني إلا برنسي الذي نسجته أمي في الليالي الحالكة، تاركة معه نور عينيها.
كان سيدي قاسيا جدا..أطل يوما من شرفته حذرا من لسعات البرد القارس ..وبصوت قاهر : alors mahomet ! Voila le” soleil..!” امتد نظري إلى السماء ، فرأيت الشمس قد بزغت من جديد من وراء سحب داكنة احتجزتها لساعات..
انهمرت دموعي لكلامه الذي زعزع كياني و وبدد تفكيري. قساوة وجور فوق أرضه
المغتصبة حدثت نفسي وكلي تضمر.
جثمت على ركبتي ..غثيان داهمني .. يد امتدت لتنهضني ، التفت إليه متسائلا : – من صاحب هذا البيت..؟!
ابتسم لي وقال : – كان لمعمر فرنسي.. مهجور منذ أمد بعيد ، ألا ترى أنه آيل للسقوط..!
تركني وغادر بعد أن اطمأن على حالي.
ابتعدت بضعة أمتار بعد أن فتر الجو قليلا ؛ التفت إلى البيت نظرت إلى نوافذه الخشبية المهترئه والموصدة ، إلا واحدة أخذت الريح تصفق فردتيها يمينا وشمالا ؛ أطل القمر بنوره وأطل معه وجه برئ أخذ يراقبني من وراء الستار الباهت والممزق وهو يبتسم،ثم اختفى مع نور القنديل الذي كان يحمله.

الأديب عبد الستار عمورة الجزائربؤس

فرضت الظلمة قسوتها..مزقتها ومضات برق مخيف و قصفات رعد رهيب .. زقاق ملئ بالحفر .. أكوام القمامة تنتظرالإجلاء . داهمتني الأمطار ..احتميت تحت شرفة بيت “كولونيالي”..تحسست بابه الخشبي العتيق .. كان وقتها مواربا ، مصفد بسلسلة صدئة .
اندفع صوته المخنوق بحشرجة دمع مطمور: ” كنت أرعى أغنامه وأنا طفل ذو فاقة .. أسمالي بالية ورجلي حافية زادي رغيف وفراشي قش ودفئي أنفاس الأغنام .. ودعني أبي بكيسين هزيلين من القمح والذرة.
ارتعدت فرائصي ..طفق جسمي يرتجف ..قشعريرة ضمتني ..غصة خنقت أنفاسي ..تشنجت أرجلي ..لم أستطع وقتها الإنفلات من هذا المكان الرهيب.
أياد ملطخة بالرماد وآثار الصقيع بادية عليهما، امتدت إلي من الداخل..أطبقت على ذراعي الهزيلتين ..رجتني رجا.
صوته المخنوق أفزعني هذه المرة أكثر فأكثر و هو يهمس همسا : – “عدت بالقطيع في يوم مثلج .. لا يسترني إلا برنسي الذي نسجته أمي في الليالي الحالكة، تاركة معه نور عينيها.
كان سيدي قاسيا جدا..أطل يوما من شرفته حذرا من لسعات البرد القارس ..وبصوت قاهر : alors mahomet ! Voila le” soleil..!” امتد نظري إلى السماء ، فرأيت الشمس قد بزغت من جديد من وراء سحب داكنة احتجزتها لساعات..
انهمرت دموعي لكلامه الذي زعزع كياني و وبدد تفكيري. قساوة وجور فوق أرضه
المغتصبة حدثت نفسي وكلي تضمر.
جثمت على ركبتي ..غثيان داهمني .. يد امتدت لتنهضني ، التفت إليه متسائلا : – من صاحب هذا البيت..؟!
ابتسم لي وقال : – كان لمعمر فرنسي.. مهجور منذ أمد بعيد ، ألا ترى أنه آيل للسقوط..!
تركني وغادر بعد أن اطمأن على حالي.
ابتعدت بضعة أمتار بعد أن فتر الجو قليلا ؛ التفت إلى البيت نظرت إلى نوافذه الخشبية المهترئه والموصدة ، إلا واحدة أخذت الريح تصفق فردتيها يمينا وشمالا ؛ أطل القمر بنوره وأطل معه وجه برئ أخذ يراقبني من وراء الستار الباهت والممزق وهو يبتسم،ثم اختفى مع نور القنديل الذي كان يحمله.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.