لقاء مع الشاعر : فرحان المرشدي حاورته: سمية معاشي بجريدة لوبوان 24 الاسبانية
الشاعر فرحان المرشدي، يمثل صوتًا شعريًا مميزًا في الساحة الأدبية العراقية والعربية، هو واحد من أبرز الشعراء الذين استطاعوا أن يدمجوا بين الأصالة والحداثة في نصوصه. بمجموعاته الشعرية وأدائه الأدبي المتميز، يعكس المرشدي تجربة شعرية غنية وعميقة، لا تقتصر على التعبير عن المشاعر الفردية، بل تمتد لتشمل القضايا الوطنية والإنسانية الكبرى. في هذا الحوار، نلتقي بالشاعر لنتعرف على تفاصيل بداياته الشعرية، رؤيته للواقع الثقافي والاجتماعي، ودوره في تعزيز الثقافة العراقية في ظل التحديات الراهنة. سنتناول أيضًا تأثير الشعر على القضايا الإنسانية والسياسية، إضافة إلى رؤيته لمستقبل الشعر العراقي والعربي في المستقبل القريب.
مرحبا بك:
1_كيف كانت بداياتك الشعرية؟ وما هي العوامل التي أسهمت في تشكيل وعيك الشعري في مرحلة الشباب؟
كانت البدايات الشعرية تحمل بصمة عفوية وتلقائية، نابعة من تأمل العالم الداخلي والخارجي. قد تكون البدايات متأثرة ببيئة الشاعر الاجتماعية والثقافية، والقراءات الأولى التي تغذي روحه وتدفعه للتعبير عن مشاعره وأفكاره بأسلوب شعري والاطلاع على أعمال شعراء كبار أو نصوص أدبية خالدة
2_يلاحظ الكثيرون أن شعرك يجمع بين الأصالة والحداثة، كيف تجد التوازن بين هذين العنصرين في قصائدك؟
التوازن بين الأصالة والحداثة في الشعر يتطلب وعيًا بجذور التراث الشعري وتقاليده، مع قدرة على استيعاب روح العصر وتطلعاته. بالنسبة لي، هذا التوازن ينبع من نهج يقوم على التداخل الإبداعي لكبار الأدباء بين الماضي والحاضر،
في النهاية، أجد أن هذا التوازن هو رحلة دائمة، تتطلب الاستماع لكل من صوت الماضي وصوت العصر، والعمل على خلق مساحة مشتركة لهما داخل النص الشعري.
3_كيف يمكنك وصف أسلوبك الشعري؟ وهل تحاول دائمًا الحفاظ على ارتباطك بالتراث العربي أم أنك تسعى لاكتشاف أفق جديد في الشعر العربي؟
وصف أسلوبي الشعري يتلخص في كونه محاولة دائمة لخلق توازن بين جماليات التعبير التقليدي وروح الابتكار. أُعرّف أسلوبي بأنه تأملي وإنساني، حيث أسعى إلى استكشاف المشاعر العميقة والأسئلة الوجودية عبر لغة تحمل البساطة والعمق في آنٍ واحد.
4_في العديد من قصائدك، تظهر قضايا إنسانية ووطنية مثل الغربة، الفقد، والحرية. كيف ترى دور الشعر في التعبير عن هذه القضايا؟
أرى أن الشعر ليس مجرد وسيلة للتعبير عن المشاعر الفردية، بل هو أيضًا صوت إنساني جماعي يعبّر عن هموم المجتمع وقضاياه الكبرى. الشعر قادر على ملامسة القضايا الإنسانية والوطنية بعمق وجمال، لأنه يتجاوز اللغة المباشرة ليصل إلى أعماق الوجدان وأؤمن أن الشعر يلعب دورًا حيويًا في تسليط الضوء على القضايا الإنسانية والوطنية، لأنه قادر على تجاوز الحدود الثقافية واللغوية ليصبح رسالة . الشعراء، عبر تاريخهم، كانوا ضمير الشعوب، وأرى أن هذا الدور يظل ثابتًا، مهما تغيرت الأزمان.
5_كيف ينعكس الصراع الداخلي والعاطفي الذي تعيشه كعراقي في شعر، خاصةً عندما تتناول قضايا مثل الوطن والحرب؟
الصراع الداخلي والعاطفي الذي أعيشه كعراقي يتغلغل في شعري بعمق، لأنه ينبع من تجربة شخصية وجماعية معقدة تختزل مشاعر الحب، الفقد، الأمل، واليأس. هذه المشاعر المترابطة تجعل الكتابة عن قضايا مثل الوطن والحرب تحمل صدقًا ووزنًا أكبر، لأنها ليست مجرد مواضيع تطرح، بل هي جروح تُكتب عن الصراع الداخلي والعاطفي لأنني أرى الشعر وسيلة لتوثيق التجربة العراقية بكل ألمها وجمالها. أرغب في أن تكون قصائدي شاهدة على ما حدث، وأيضًا وسيلة لتذكير الآخرين، سواء كانوا عراقيين أو غيرهم، بأن الأمل يمكن أن ينبثق من الرماد، وأن الجمال يمكن أن يولد حتى في أكثر اللحظات ظلمة.
6_في مجموعتك الشعرية “الطعن في الرخام”، كيف تتجسد فكرة التحدي والتجدد في الشعر؟ هل تعتقد أن القصائد تلتقط نضج تجربتك الذاتية والشعرية؟
في مجموعتي الشعرية “الطعن في الرخام”، تتجسد فكرة التحدي والتجدد من خلال المزج بين مواجهة القسوة والبحث عن جماليات خفية حتى في أكثر اللحظات صلابة. الرخام، بما يمثله من صلابة وبرودة، يصبح في النصوص رمزًا للصعوبات والعقبات التي يواجهها الإنسان، بينما الطعن يوحي بالإصرار على كسر هذا الجمود والبحث عن حياة نابضة تحته.
7_هل هناك قصيدة في مجموعتك الشعرية “إلى فتية القمح” تبرز لك بشكل خاص؟ ولماذا؟
“إلى فتية القمح” هي مجموعة شعرية مشتركة لكثير من الشعراء جسدوا خلال قصائدهم فترة التحرير والتضحيات ضد داعش ولم تكن مجموعتي لكن لي فيها مساهمة بقصيدة “نجوم صاعدة إلى النهر” تمثل خلاصة رؤيتي الإنسانية لضحايا “مجزرة سبايكر “
8_حصلت على العديد من التكريمات والمشاركة في مهرجانات شعرية مرموقة، مثل مهرجان الجواهري ومهرجان المتنبي. كيف ترى دور هذه المهرجانات في دعم الشعراء؟ وهل تؤثر على توجهاتك الشعرية؟
المشاركة في مهرجانات شعرية مرموقة مثل مهرجان الجواهري والمربد كانت بالنسبة لي تجربة غنية ومؤثرة على عدة مستويات، لأنها تتيح فرصة لتبادل الأفكار، التعرف على تجارب شعرية متنوعة، والانفتاح على جمهور أوسع.
9_ما هي العلاقة التي تجمعك مع جمهورك؟ هل تجد أن تفاعلهم مع قصائدك يساعدك على اكتشاف أبعاد جديدة لها؟
العلاقة التي تجمعني مع الجمهور هي علاقة تفاعلية وحية، أشبه بحوار مستمر بين الشاعر والقارئ. أعتبر الجمهور جزءًا أساسيًا من العملية الشعرية، لأن القصيدة، مهما كانت ذاتية أو فردية، تجد معناها الحقيقي عندما تُقرأ وتتفاعل مع الآخر.
10_كيف تلقي الضوء على قضايا اليوم من خلال شعرك، مثل قضية الحشد الشعبي أو الأزمات الاجتماعية؟
أرى أن للشعر دورًا حيويًا في تسليط الضوء على قضايا الواقع، كونه وسيلة للتعبير عن هموم المجتمع بعمق وإبداع وطبيعةالشعر هو تناول القضايا المعاصرة
امًا تناول الحشد الشعبي في الشعر فهو شرف للقصيدة ان تتغنى ببطولات رجال تركوا عوائلهم ليهبوا للدفاع عن وطنهم بعدما استباحه التنظيم الارهابي
11_يلمس المتلقي في شعر فرحان المرشدي أبعادًا إنسانية عميقة. هل يمكنك إلقاء الضوء على مواقف معينة دفعتك لتناول هذه القضايا الإنسانية؟
بالطبع ان يكون الشعر يتميز بقدرته على النفاذ إلى القضايا الإنسانية العميقة من خلال لغة صادقة ومؤثرة. المواقف التي تدفع الشعراء عمومًا لتناول القضايا الإنسانية غالبًا ما تكون مرتبطة بتجارب شخصية، أو تأملات في معاناة الآخرين، أو حتى تأثر بالمشهد الاجتماعي العام.
في حالتي ، قد تكون هناك عدة منها
المعاناة اليومية من فقد أحبة أستشهدوا في معارك الشرف
قضايا االانتماء وأنت ترى من يحلل دمك وعرضك ومالك ولا ننسى الأحداث الكبرى والتغيرات الاجتماعية والسياسية ولا شك أن التغيرات السياسية والاجتماعية تلعب دورًا هامًا في تشكيل منظور الشاعر تجاه العالم،
12_ما هي الرسالة التي تسعى لإيصالها عبر قصائدك التي تتناول الحرية والكرامة الإنسانية؟
الرسالة التي قد أسعى لإيصالها عبر القصائد هي الحرية والكرامة الإنسانية وأحاول أن أجعل صوت الإنسان المقهور أكثر وضوحًا ولإضاءة دروب الذين أظلمت حياتهم نتيجة الظلم والاستبداد.
13_بصفتك رئيسًا لمنتدى قلعة سكر الثقافي وعضوًا في اتحاد الأدباء، كيف ترى دور الأدب في تعزيز الثقافة العراقية في هذه الظروف الحالية؟
الأدب في ظل الظروف الحالية يلعب دورًا محوريًا في تعزيز الثقافة العراقية والحفاظ على هويتها، خاصة في مواجهة التحديات التي تمر بها البلاد. من موقعي كرئيس لمنتدى قلعة سكر الثقافي وعضو في اتحاد الأدباء، أرى أن الأدب يمثل وسيلة مهمة لتوحيد الناس وتعزيز الوعي الثقافي والاجتماعي.
14_برأيك، ما هو مستقبل الشعر العراقي في ظل التحولات الاجتماعية والسياسية؟ وكيف ترى تطور الشعر العربي بشكل عام في السنوات المقبلة؟
مستقبل الشعر العراقي بألف خير كون الشعر العراقي يحمل إرثًا عريقًا يمتد من العصر السومري إلى يومنا هذا، يمتلك قدرة فريدة على التكيف مع الظروف والتحولات الاجتماعية والسياسية ولطالما كان الشعر العراقي مرتبطًا بحياة الناس وهمومهم، وسيظل يعبر عن قضاياهم مثل الفقر، الحرية، العدالة الاجتماعية، والانتماء. التحولات السياسية والاجتماعية الحالية قد تدفع الشعراء إلى استكشاف أبعاد جديدة تعكس هذه التغيرات، مما يجعل الشعر العراقي أكثر انخراطًا في الواقع و تشكل بيئة خصبة لظهور شعراء شباب يعبّرون عن رؤى مختلفة، ويقدمون لغة شعرية جديدة تعكس روح العصر، خاصة مع تأثير الوسائط الرقمية وانتشار الشعر عبر الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي التي كسبت الشعر حضورًا متزايدًا في فضاءات إلكترونية مما يسمح بوصوله إلى جمهور أوسع وأكثر تنوعًا.
الشعر العربي عمومًا، والعراقي بشكل خاص، سيظل يتطور مع الزمن مستجيبًا للتحولات المحيطة به. وبينما تواجه هذه الفنون تحديات في عالم سريع التغير، فإنها تحمل أيضًا إمكانيات هائلة لتجديد نفسها والحفاظ على دورها كصوت للأمة والإنسانية.
15_هل هناك شعراء شباب تتابعهم بشكل خاص وتؤمن بقدرتهم على تجديد المشهد الشعري في العراق؟
نعم، هناك العديد من الشعراء الشباب في العراق اليوم الذين أتابعهم باهتمام وأرى فيهم طاقة إبداعية قادرة على تجديد المشهد الشعري وإثرائه. هؤلاء الشعراء يتميزون بجرأتهم في التجريب وكسر القوالب التقليدية، بالإضافة إلى قدرتهم على التفاعل مع القضايا المعاصرة بلغة فنية عميقة ومبتكرة وأمثله عن هؤلاء الشعراء
1. زين المرشدي:شاعر شاب يتميز بلغته القوية وصوره المبتكرة
2. أحمد الماجد: قصائده الشعرية تستحق التقدير، حيث تحمل لمسة شعرية واضحة وتلامس القلوب
3. نورس الجابري:شاعرة تمتاز بقدرتها على المزج بين البساطة في التعبير وعمق المعنى. تتناول موضوعات متصلة بحياة الشباب العراقي
4. حسام السراي:
شاعر شاب تبرز في قصائده رؤية ومفردة بأسلوب حداثي، مما يضيف بعدًا جديدًا للمشهد الشعري.
وما يميز هؤلاء الشعراء هي الجرأة في تبني أساليب جديدة، سواء في قصيدة التفعيلة أو قصيدة النثر، دون التخلي عن الجذور الثقافية.
16_في ضوء تجربتك الطويلة في الكتابة، هل ترى أن القصيدة لا تزال قادرة على التأثير في الواقع الاجتماعي والسياسي؟ وكيف يمكن أن تساهم في التغيير؟
القصيدة رغم كل التحولات التي طرأت على المجتمعات والوسائط الإعلامية، لا تزال قادرة على التأثير في الواقع الاجتماعي والسياسي. قد تكون طرق الوصول إلى المتلقي قد تغيّرت، لكن الشعر، بقدرته على التعبير العميق والمكثف، يحتفظ بقوته كمحفز فكري وعاطفي..