الأديبة نورة طلحة تكتب : الأفق الضبابي

في مدينة زاخرة بالحياة الرتيبة والأضواء المتوهجة، كان الناس يعيشون في دوامة لا تنتهي من الانشغالات اليومية والمعلومات السطحية. التلفاز يرسل إليهم أخباراً غير مهمة، وسائل الإعلام تتسابق لنشر شائعات وأحداث تافهة، والحياة تتواصل وكأنها سيل لا ينضب من الإلهاءات. بينما تحت الأضواء الساطعة، كانت النخبة السياسية والاقتصادية تدير الأمور فيما بينها خلف الكواليس، بعيداً عن أعين المواطنين.

حسن، صحفي شاب ذو طموح عالٍ، كان يعيش في المدينة البئيسة ويشعر بأن هناك شيئاً ما غير صحيح. وجد نفسه مشغوفاً بالتحقق من الأخبار وتقصي الحقائق، وكانت هناك حالة من الإحباط تسري في عروقه كلما لاحظ تجاهل الناس للمشاكل الحقيقية مثل الفساد والتفاوت الاجتماعي والغلاء الفاحش.
في أحد الأيام، عثر حسن صدفة على وثائق سرية تُظهر كيف أن النخبة كانت تستخدم الإعلام للتلاعب بالرأي العام، من خلال إلهاءات منظمة وموجهة.
بدأت تساؤلاته تتجمع في رأسه، فقرّر أن يكشف الحقيقة، حتى وإن كان ذلك يعني مواجهة قوى ضاغطة. كان التحدي الكبير هو مواجهة السيد المسؤول الحكومي البارع في فنون الإلهاء. سيد بسّام كان يملك نفوذاً واسعاً وقدرة على توجيه الأخبار وتوزيع الانتباه بعيداً عن القضايا الهامة. وكان أحد أبرز أساليبه هو إطلاق أحداث صغيرة كالمهرجانات الغنائية والاحتفالات الموسمية ويركز على فضائح زائفة كضبط عصابة للمتاجرة في أعضاء البشر تشغل الرأي العام وتفتح أمامه المجال لنهب المال العام وتمرير قرارات خطيرة خلف الستار.
حسن لم يكن وحده في هذه المعركة. سارة، ناشطة اجتماعية ذات قلب كبير وناشطة جمعوية، كانت تشك أيضاً في وجود مؤامرة لإخفاء الأوضاع الحقيقية. كان لديها مشروعات لتحسين الأوضاع في المجتمع، لكن جهودها كانت تتعرض دائماً للفشل بسبب تشتت الانتباه العام. انضم حسن وسارة معاً، وبدآ رحلة شاقة لكشف الحقائق وإظهار المستور. قاما بجمع الأدلة وتوثيق الخداع الإعلامي، وحاولا نشر الوعي بين الناس بمساعدة الشباب الواعي لشحذ همم المواطنين. لكن سيد بسّام كان له أساليبه الخاصة، حيث أطلق حملة إعلامية ضخمة للتشويش على جهودهما، وسرعان ما تحول التركيز إلى شائعات جديدة. واجه الثنائي تحديات عديدة، من تهديدات إلى محاولات للتشويش على رسالتهما. ومع ذلك، استمروا في عملهم، متمسكين بالأمل والصدق. بفضل تصميمهما وإصرارهما، بدأت تسري روح جديدة في المدينة، حيث بدأ الناس في فتح أعينهم على الحقيقة والابتعاد عن الإلهاءات التي لطالما احتلت انتباههم.
في نهاية المطاف، ورغم أن النضال لم يكن سهلاً، فقد نجح حسن وسارة في زعزعة استقرار الاستراتيجيات التي كانت تُستخدم لتخدير الرأي العام. بدأ المجتمع في إعادة تقييم اهتماماته واتجاهاته، وظهرت بوادر التغيير. لم يكن التغيير كاملاً، لكن المدينة بدأت تستعيد قدرتها على التفكير والنظر إلى أبعد من الأفق الضبابي الذي كان يلفها. والأهم من ذلك، أن قصتي تُرِكت مفتوحة، ليواصل القارئ التفكير في دور الإعلام والإلهاءات في حياته الخاصة وفي مجتمعه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.