الروائية علوية صبح سرديات مضادة من لذة المغامرة

عقيل هاشم/

.. أشعر بأن خروجي من رحم أمي لم يكن إلا خروجًا من السباحة في رحمها إلى السباحة في بحر الحياة. وكذلك، ليست الحياة إلا سباحة للوصول إلى الموت… من رواية اسمه الغرام..

روايات الكاتبة علوية صبح على قدر كبير من الأهمية الفنية والموضوعية. هذه النصوص السردية تشدُّ القارئ من أول سطورها التي تبدأ بتقنية التشويق من خلال تصوير الأحداث بدقة والتي تقود إلى فتح السرد على أفق وفضاء يستدعي الماضي والذكريات وهموم الوطن التي تأتي في الغالب بضمير الأنا ، وتمتاز في تشخيصها بالكثير من الحنكة لمسك خيوط السرد، والمقدرة اللغوية، والمحاورة، حيث ينفتح أفق السرد على كسر التابوهات الثلاثة: الجنس، الدين والسياسة، ولكن بشكل غير مبالغ فيه، وإنما بتوازن تلعب فيه الكاتبة دور الرسام الماهر في رسم لوحة غنية بالفني، والممتع، والمَشُوْق في ذات الوقت،
أنَّ نصوص الكاتبة في الغالب يكون إشكاليا شائك سياسياً، اجتماعيا وعرض من ماحصل للوطن العربي ولبنان خاصة من انتكاسات وحروب عبثية وقد نجحت في رسم عوالمها وشخوصها وتقنياتها الفنية . بما يفيد القارئ من سبر دخائل الأنفس.
وهنا ملمحٌ مهم يلزم التوقف عنده في بناء سردياتها بما يفتح من آفاق سِيَرِي مرتبط بحياة ابطالها، والتي تؤثر في مسار الأحداث،
طبعاً هذا استنتاج قراءةٍ محضة ربما لا تقله نصوصها بشكل مصرح به بشكل مباشر، ولكن فطنة القارئ الواعي توحي به.
أقول إن هذا الاقتدار يجعل القارئ يتماهى معها والتي تقوم على اساس الحرية والعدالة والمساواة والتسامح والمواطنة وحرية الدين والعقيدة،
ويلعب الحوار كتقنية رئيسة من الديالوج والمنولوج والتداعي الذهني دورا هاما في الكثير من المواطن السردية. كتلميحات ذكية تخدم النص، وتنفتح بأفق التناص على ثقافة الكاتبة الواسعة، وهذا يتناسب مع السياق العام لرواياتها..
باكورة أعمالها كانت رواية «مريم الحكايا» (2002) التي شرّحت المجتمع اللبناني في عيشه وخبراته ومفاهيمه والسلطة الذكورية والبطركية التي تسيطر على ثقافته وممارساته، فرضت علوية صبح نفسها رقماً صعباً على خارطة الرواية اللبنانية والعربية.
الكاتبة المفتونة بالحكايات بارعة في تطعيم السرد المحكم في أعمالها ذاكرة أجيال بأسرها، وتحميل شخصياتها القلق الوجودي والإبداعي والإنساني الذي تفرضه القضايا الإشكالية من الهيمنة الذكورية وقمع المرأة في أنوثتها وأمومتها وعلاقتها بجسدها ومجتمعها وسعيها المرير لنيل أبسط حقوق كرامتها.
في رواياتها اللاحقة، «دنيا» و«اسمه الغرام» و«أن تعشق الحياة»، تابعت علوية صبح الحفر في البنية التحتية المولّدة للحرب والعنف على كلّ أشكاله، ومواجهة منظومات القهر وتعريتها وفضحها من دون مجاملة.
بعد سنوات ثلاث على «أن تعشق الحياة»، تطل علوية صبح على القراء برواية تحمل عنوان «اِفرح يا قلبي» (دار الآداب ـــــ 2023) تضيف فيها لبِنة جديدة إلى عمارتها الروائية الشاهقة، حيث تقدم حمولة دسمة تطرح فيها الإشكاليات الثقافية وديناميكيات الصراع والوئام في المجتمعات ضمن قالب لا يخلو من متعة السرد.
واخيرا اقول ان سردياتها بالعموم قد أجابت على كثير من الأسئلة، لكنّها في الوقت نفسه فتحت الباب على مصراعيه لموضوعات جد حساسة، تثير المزيد من النقاشات الجادة والمهمة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.