القصة القصيرة جدا(انفراج) لعبد المجيد بطالي: ومن روعة السرد المكثف، ما قل ودل

 

 

مجدالدين سعودي. المغرب

استهلال

الأديب والفنان المتجدد عبد المجيد بطالي، اسم أدبي وابداعي كبير، كتب في كل الأجناس الأدبية.

فمن هو أديبنا عبد المجيد بطالي؟

لنتركه يجيب بنفسه على السؤال:

(عبد المجيد بطالي، ناسك في محراب الكتابة، مقيم في مملكة القراءة، أمتطي صهوتيْهِما لأعرج نحو معالم الجمال، أتطلع إلى آفاق الإبداع اللامتناهية، طالبا المزيد من قَطْر العلم، باحثا بين دروب المعرفة والبيان.

عبد المجيد بطالي مواطن مغربي من مواليد مدينة الدار البيضاء، أستاذ اللغة العربية (متقاعد)، أديب وناقد وفنان تشكيلي… عشقت الإبداع منذ طفولتي الأولى وأنا لازلت في مرحلتيْ الابتدائية والإعدادية من التمدرس.. ثم ما لبث هذا الفعل الإبداعي يتطور مع الزمن، خصوصا وقد شجعني عليه أساتذتي المحترمين الذين درسوني في هذه المراحل المتقدمة.. وتفاصيل أخرى تتعلق بمساري الإبداعي يضيق المجال هنا للحديث عنها.

صدرَ لي في الشعر، ثلاثة دواوين شعرية هي، (رواء الروح – في ظلال سدرة الوجد – معارج الإشراق) ومجموعة في القصة القصيرة جدا بعنوان، (جداريات بألوان البوح)، وأربعة كتب في النقد وهي، (النص المشتعل وتوهج المعنى في جزأين، وخطاب الومضة القصصية.. والبنية والدلالة في الخطاب السردي..) 1

 

1 في التجنيس

يقول عبد الرحمان الصوفي: (لقد تبلور في كتابة القصة حس أدبي جديد بمسميات عديدة، سواء في المغرب أو المشرق، منها القصة القصيرة جدا، لوحات قصصية، ومضات قصصية، مقطوعات قصيرة، بورتريهات، مقاطع قصصية، مشاهدة قصصية، فن الأقصوصة، فقرات قصصية، ملامح قصصية).2

الأديب عبد المجيد بطالي يصنف نصه الإبداعي السردي ك (قصة قصيرة جدا)، ومن مميزاتها التكثيف والاختصار وسلامة اللغة وعمق المبنى والمعنى معا.

وأركان القصة القصيرة جدا كما جاء في مقال نقدي لاسراء أبو رنة:( هي القصصية، والحجم الصغير جدًا، والتكثيف في الأحداث، والحذف والإضمار، وحسن انتقاء الأوصاف، والصورة الومضة، وهي أركان مهمة جدًا لبناء القصة القصيرة جدًا…)3
2 في العنوان

تجمع القواميس على أن الانفراج هو حالة الانفتاح والخروج من نفق مظلم، ف (اِنْفِراجُ الضَّائِقَةِ) يعني اِنْكِسافُها والتَّخَلُّصُ مِنْها، وهو كذلك الفَرَحٌ بعد الحُزْنٍ، وانفرج الشَّيءُ يعني (انفتح واتَّسع)، اِنْفَرَجَتْ أَساريرُ وَجْهِهِ يعني(اِنْبَسَطَتْ)، وانْفرَج فلان من ضِيقِه يعني (تخلص)، وانفرج الغمُّ مُطاوع فرَجَ بمعنى (انكشف وزال). أما في السياسة فتعني استرخاء وانفتاح في العلاقات السياسية بين الدول بعد توترها. والفَرَجُ هو (انكشاف الغمّ أو الشدَّة أو الهمّ، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا).

يقول محيي الدين بن عربي 🙁 ألا ترى الأرض عن أزهارها ………. كما السماءُ لها في ذاتِها فرجُ)، فالفرج يأتي دائما من السماء.

يقول ابن نباتة المصري 🙁 أراقب من هم التفرق فرجة ً ……. وما الدهر إلا غمة وانفراجها)

2 ما بين الأمل والأمل: انفراج وخيط رفيع

في القصة القصيرة جدا (انفراج)، يعتمد الأديب عبد المجيد بطالي على متناقضين، فالأول هو الألم: (دمعات، دموع، خديه الشاحبتين، حزن دفين)، وبالمقابل هناك الأمل: (عناق، تغسل، أنهار)، وعبر الألم يولد الأمل، والأمل كما يقول المثل الفنلندي: (لا بد أن يشرق الضوء في آخر النفق). فأمل الأديب عبد المجيد بطالي يشبه أمل ويليام شيكسبير: (الأمل بالفرح يوازي الفرح ذاته)، صحيح في (انفراج) أديبنا صدق ما قاله سعد الله ونوس: (اننا محكومون بالأمل).
ينتصر الأمل في قصة (انفراج) فتنفرج الغيوم وتبتعد الهموم عبر مطر السماء الذي يغسل الأحزان والأشجان.
3 السماء
السماء عند أديبنا عبد المجيد بطالي في قصته القصيرة جدا(انفراج)، هي انفراج حقيقي وانفتاح على الأمل والتفاؤل، ولهذا يقول هاروكي موراكامي: (افتح عقلك. أنت لست سجينا. أنت طائر في رحلة، يبحث في السماء عن الأحلام)، فالسماء رحمة وهي كما يقول جون كونستابل: (السماء هي مصدر الضوء في الطبيعة وهي تحكم كل شيء.)
ولهذا جاءت مقولة معبرة لجانيت دوناغي: (حتى عندما تمتلئ السماء بالغيوم، لا تزال الشمس تشرق من فوق)، ونفس الشيء جاءت القصة القصيرة جدا (انفراج) بمثابة شمس تشرق رغم الغيوم.
4 التطهير

الكاطارسيس أو التطهير (مسرحيا) عند أرسطو هو تطهير للنفس قبل الجسـد بينما في مسرح القسوة عند أرطـو فهو تطهير للجسد، وعلى العموم فالتطهير الهدف منه في كل الفنون هو …

وفي (انفراج) عبد المجيد بطالي تطهير للذات: (عانقت دمعات السماء دموعه، سالت على خديه الشاحبين أنهار تغسل آثار حزن دفين.)، فهذه الذات المتشظية تطهرت واختلطت دموعها مع السماء لتزيل آثار حزن عميق.

خاتمة

وأجمل ما نختم به ما قاله الأستاذ المبدع عبد المجيد بطالي: (الإبداع سابق على النقد وشرط في وجوده وجدّته. فكلما شقّ الإبداع طريقا ونهجا معينا يجد استحسانا من المتلقين، كلما اتبعه جمهور النقد بالملاحظة والتدقيق بناء على مقارنة نقدية من نوع معين. فالإبداع أحيانا يسبق نبض الواقع والمتلقين، ويأتيك من المستقبل بقبس من أنوار الفرادة والتميز، قد تفهم في حينها أو قد تحتاج إلى وقت وزمن معين حتى تستبين وتتضح معالمها بين جمهور المتلقين والنقاد معا. ومن ثم وجب على العملية النقدية المؤطرة منهجيا أن تصاحب العملية الإبداعية التي تكتمل معالمها بإنتاج النص الأدبي، لتقوم برصد جوانبه المتعددة من أجل التحليل والتفسير والتأويل والنقد والتقويم.. غير أن الإبداع الحق لا يلتفت إلى الخلف بل يصوب بوصلته نحو الأفق والمستقبل البعيد.)1

مجدالدين سعودي. المغرب

احالات

1 أمنة برواضي في حوار ” مع الناقد ” (أسئلة الباحث العربي) الجزء الثاني الحلقة 18 مع الناقد والأديب والفنان التشكيلي عبد المجيد بطالي.

2 عبد الرحمان الصوفي :(في ميزان المدخل النقد الرقمي الذرائعي، التجربة الأدبية للأديب مجدالدين سعودي)

3 اسراء أبو رنة: معلومات عن القصة القصيرة جدا، موقع (سطور) الالكتروني

 

القصة القصيرة جدا (انفراج) للأديب عبد المجيد بطالي

(عانقت دمعات السماء دموعه، سالت على خديه الشاحبين أنهار تغسل آثار حزن دفين.)

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.