الشاعرة والباحثة ثريا بن الشيخ في قصيدتها (وداع النوارس):تشظيات النوارس الحزينة

مجدالدين سعودي. المغرب

 

استهلال

 

الشعر كينونة ووجود.

الشعر رؤيا ورؤية.. نبش في الماضي وربطه بالحاضر والمستقبل.

تقول الشاعرة المغربية ثريا بن الشيخ: (الشعر أكبر من مجرد التعبير عن التمرد ضد ذكورية الأعراف فهو موقف من الوجود بأكمله). 1

عن الشعر تقول ثريا بن الشيخ: (إن الشعر الحي يظل في تشكل مستمر، في ولادة مستمرة كما قال نزار قباني. والشاعر الذي يزعم أنه حقق ما تطمح إليه نفسه في الإبداع الشعري إنسان واهمٌ. إن الإبداع الشعري رحلة عميقة مع اللغة بالدرجة الأولى، وبما أن تعدد مصادر الإلهام تجمع بين العربي والغربي ، وبين عدة متغيرات تتشكل معها الهوية باستمرار ، فإن كتابة الشعر أفق رحب ، كالشرب من ماء البحر ، كلما شربت منه عطِشت أكثر . إن الحديث عن إثبات الذات قضية لا تخلو من تصنيف، ولا يُعقل سقوطنا في الإبداع والتصنيف معا وفي نفس السّياق. فالإبداع مهما كان مُقنعا لا يحمل معناه في ذاته، ولا تختلط الأدوار أمام المبدع، فهو يدرك دور النقاد في تقديم العمل لجمهور قراء جُددٍ يبحثون عن وسيط معرفي يقربهم من جوهر الأعمال الجاد .)2

وعن الحب أسمى عاطفة إنسانية تقول عنه الشاعرة والباحثة المغربية ثريا بن الشيخ: (الحب شريعة لا ذريعة). 3

 

1 في العنوان: (وداع النوارس)

 

يقول الشاعر مسعد محمد زياد:

 

(اليومْ

اليومَ.. يانوارس الشواطئ البعيدهْ..

اليومَ … حان موعدي..

فجددي

ورددي

قفي.. يا قوافل الزمن..

وعودي

يا نوارس الشواطئ المسافرهْ..

فالأرض.. تنتظر الرجوع ْ..

من محاجر الدموعْ..

ترحل القوافل المسافرهْ

تبحث.. عن شواطئ الوطنْ..

تبحث.. عن أملْ..

تجوب ردهة الزمنْ

* * *

تسافر النوارس الحزينهْ

من هنا

من داخلي

من جوف أحزاني الكئيبهْ..

تبحث عن زمنْ

عن هوية الإنسان

بين أكوام البشرْ..

بين الوجوه الكالحهْ

في كل عين باكيهْ..)

* * *

هي مقاطع شعرية حزينة للشاعر مسعد محمد زياد الذي استشهد بالنوارس وعلامات رحيلها، فهي نوارس حزينة شاهدة على وجوه البشر الكالحة والعيون الباكية، نوارس شاهدة على قوافل السفر والرحيل الموجع.

(وداع النوارس) جاء عنوانا متكاملا لذات شاعرة تؤرخ للوداع وما يتركه من خيبات، هي قصيدة بطعم الحزن والتشظي، استطاعت الشاعرة أن تربط العنوان بالمضمون، وأن تكون في مستوى الربط العضوي.

الذات الشاعرة تومن بما قاله الصوفي البهي جلال الدين الرومي: (الوداع لا يقع إلا لمن يعشق بعينيه أما ذاك الذي يحب بروحه وقلبه فلا ثمة انفصال أبدا).

ومع هذا ينطبق على هذه الذات الشاعرة ما قاله لوركا: (منذ كنت طفلاً كنت أكره الوداع، كلمة الوداع بالنسبة لي تعني شكلاً مصغّرًا من أشكال الموت) …!

 

في (وداع النوارس) تحضر معاني ومفاهيم التشظي الوجودي بقوة:(الوداع، النوارس، الخيبات، المنحدر، الخريف، دمعات، انكسارات، نعش، الرحيل، عتمات).

 

1 نحو الأعالي والمنحدرات

جاء في احدى الترنيمات الدينية المسيحية: (قالوا المجد في الأعالي). والشاعرة ثريا بن الشيخ تقارن بين المنحدرات والمرتفعات بصورة شعرية مكثفة:

(يَقولونَ

وَأَنْتَ في الْمُنْحدرِ

لَا تَرى سِوى الْمُرتفعاتِ

وَأنَا في عُمْقِ انْحِناءاتي

لاَ تَتراءى لِي سِوى

خَيْباتي)5

هو بوح يظهر مدى الخيبات في قصيدة (وداع النوارس)، والخيبة كما يقول إميل سيوران: (من بين كل ما يعذبنا، لا شيء مثل الخيبة يمنحنا الإحساس بأننا نلمس أخيراً ما هو حقيقي).

 

2 انكسارات

إرنست همينغوي: أحياناً تخاف على شخص من الانكسار، لتتفاجأ به يكسرك.

 وفي أجمل قصائد أمل دنقل، في بوح بطعم الانكسار ينشد:

(أيتها العرّافة المقدَّسةْ

جئتُ إليكِ مثخنًا بالطعنات والدماءْ

 أزحف في معاطف القتلى، وفوق الجثث المكدّسة

منكسر السيف، مغبَّر الجبين والأعضاءْ.

 أسأل يا زرقاءْ

عن فمكِ الياقوتِ، عن نبوءة العذراءْ

عن ساعدي المقطوع وهو ما يزال ممسكًا بالرّاية المنكَّسة

عن صور الأطفال في الخوذات ملقاةً على الصحراءْ

عن جاريَ الذي يَهُمُّ بارتشاف الماء

 فيثقب الرصاصُ رأسَه في لحظة الملامسة!

 عن الفم المحشوِّ بالرمال والدماء! )

بينما تنشد شاعرتنا ثريا بن الشيخ في (وداع النوارس):

 

(حَتّى إن اِعْتَصمْتُ بهضابي

تَتناثرُ أَوْراقُ الخريفِ

مُبَلَّلةً بِدِفْءِ دَمَعاتي

وَلا يَطويني غَيرُ ما اسْتوى

مِنْ جُسورِ انْكساراتي

على حافةِ كأسي

وهامشِ وَرَقاتي)

 

3 خريف

 

الخريف عند محمود درويش هو غير خريف وداع النوارس.

(أحبُّ الخريفَ وظلَّ المعاني، ويُعْجِبُني
في الخريف غموضٌ خفيفٌ شفيفُ المناديل،
كالشعر غِبَّ ولادته إذ “يُزِغلِلُهُ
وَهَجُ الليل أو عتمةُ الضوء. يحبو
ولا يجد الاسم للشيء /

يعجبني مَطَرٌ خَفِرٌ لا يُبَلّل إلاَّ
البعيداتِ
[
في مثل هذا الخريف تَقَاطَعَ موكبُ عُرْسٍ
لنا مع إحدى الجنازات، فاحتفل الحيُّ
بالمَيْتِ والمَيْتُ بالحيِّ]
يعجبني أن أرى ملكاً ينحني لاستعادة
لؤلؤة التاج من سَمَكٍ في البحيرة /

تُعْجِبنُي في الخريف مشاعيَّةُ اللون، لا
عَرْشَ للذَّهَبِ المُتَواضعِ في وَرَقِ الشجر
المُتَواضِعِ، مثل المساواة في ظمأ الحبِّ /

يعجبني أَنه هدنةٌ بين جَيْشَيْنِ ينتظران
المباراة ما بين شاعِرَتَيْنِ تحبّان فصل الخريف،
وتختلفان على وجه الاستعارةْ

ويُعجبني في الخريف التواطؤُ بين
الرُّؤَى والعبارةْ! )

بينما تنشد ثريا بن الشيخ:

(وهامشِ وَرَقاتي

أيّها الخريفُ الذي

يزُفّني كلَّ عامٍ إلى نَعْشٍ

يَلُفُّ ذكرى حبيبٍ

غَدا بِلا مَنزلٍ

لا صَوتٍ

ولا معقلِ

فِي رَحيلهِ تَجرَّعتُ

نَخبَ قهوةٍ هَوجاءَ

وَحدَها

شَرِبَتْ بَياضَ

عَتماتي

يَا حَنينا

لاَ يَنْتهي )5

ومع هذا فمحمود درويش وثريا بن الشيخ يلتقيان في جعل الخريف نوستالجيا متحركة تؤرخ لحزن دفين.

 

خاتمة

قصيدة (وداع النوارس) كتبت بحبر نقي وظفت فيها الشاعرة حمولتها المعرفية والفكرية بأسلوب قوي واضح المعنى والمبني معا.

مجدالدين سعودي. المغرب

احالات

1 موقع رأي اليوم

2 موقع رائدات مجلة الأسرة العربية

3 mcd مونت كارلو

4 مسعد محمد زياد: قصيدة (نوارس الشواطئ المسافرة)

5 قصيدة (وداع النوارس)

6 أمل دنقل: قصيدة: البكاء بين يدي زرقاء اليمامة

7 محمود درويش في قصيدة: أحبُّ الخريفَ وظلَّ المعاني

 

 

قصيدة وَداعُ النّوارسِ..

يَقولونَ

وَأَنْتَ في الْمُنْحدرِ

لَا تَرى سِوى الْمُرتفعاتِ

وَأنَا في عُمْقِ انْحِناءاتي

لاَ تَتراءى لِي سِوى

خَيْباتي

حَتّى إن اِعْتَصمْتُ بهضابي

تَتناثرُ أَوْراقُ الخريفِ

مُبَلَّلةً بِدِفْءِ دَمَعاتي

وَلا يَطويني غَيرُ ما اسْتوى

مِنْ جُسورِ انْكساراتي

على حافةِ كأسي

وهامشِ وَرَقاتي

أيّها الخريفُ الذي

يزُفّني كلَّ عامٍ إلى نَعْشٍ

يَلُفُّ ذكرى حبيبٍ

غَدا بِلا مَنزلٍ

لا صَوتٍ

ولا معقلِ

فِي رَحيلهِ تَجرَّعتُ

نَخبَ قهوةٍ هَوجاءَ

وَحدَها

شَرِبَتْ بَياضَ

عَتماتي

يَا حَنينا

لاَ يَنْتهي

ثريا بن الشيخ

13 / 11 / 2022 / المزرعة.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.