المهرجان السينمائي بين سندان المنظم ومطرقة الداعم
في كل مرة نقول فيها أنهينا نقاشنا أو بالأحرى ضجيجنا الذي يخرب طبلات أذن البعض منا، نتفاجأ بجديد ما يدفعنا إلى الرفع من مستوى هذا الضجيج، حتى نكبح به تقدم فساد مجالنا الفني. والفساد هنا ليس بالضرورة، فسادا ماديا، ولكن هو تشويه صورة المهرجان السينمائي المغربي الحقيقية، تشويها لا يمكن أن نمر عليه دون تنبيه كامل الأوصاف.
نعم نحن في حاجة ماسة، أكثر من أي وقت سالف إلى المهرجان السينمائي، لأننا فعلا نعيش من خلاله لحظات سينمائية بامتياز، ولو مع إعادة إحياء القاعة السينمائية، وتعويد الجمهور العريض على ولوجها بنظام وانتظام. فالمهرجان السينمائي موجه للجمهور بشكل يقل عن دور القاعة السينمائية، لكنه ورش للتكوين والتكوين المستمر وهو محفل للقاء والنقاش والتحليل وتقديم القراءات والتعرف والتعارف وتجديد الأواصر مع تحقيق المشاهدة وسط مجمع فني مهتم … كل هاته الأهداف النبيلة تلعب دورها الفعال في السير بالسينما الى الأمام، والتقدم بها نحو النجاح، لذلك من اللازم أن نحافظ على هذا النموذج الجميل من الاحتفال لغير الاحتفال، ولكن هو احتفال دون بهرجة ساحات وقاعات الأعراس والمناسبات. ومن واجبنا أن نفي بالحضور والمواكبة أمام وفاء المنظم: شخصا كان أم جهة، ومن واجبنا كذلك ان ننبه كل من زاغ بالمهرجان السينمائي عن مفهومه المسطر من أجله. إذ نسجل بين الفينة والأخرى بعض أسماء المهرجانات بغض النظر عن التسمية الحديثة: التظاهرات، والتي لا تقل معنى عن المهرجان، فقط هي من أجل التصنيف، هاته المهرجانات/التظاهرات التي ما فتئت تظهر أو ظاهرة سابقا، والتي يديرها أشخاص يرون إليها بعين منفردة، حيث تبدو لهم برنامجا شخصيا لا يمكن لأحد التدخل فيه. هذا خطأ جسيم ينخر لب هؤلاء، وقد حان الأوان أن نشير إليهم بالبنان، لكن في تحفظ حتى لا يتهموننا بأننا نشوش عليهم أو نخلق فيهم ما هو ليس فيهم. هذا التحفظ ليس إلا فرصة لاستدراك الموقف وتجاوز الخطأ. ونحن قد أدرنا إدارة مهرجان في دورته الأولى، مع ما يعرفه هذا الرقم من الدورات من تحمل تبعات مادية، أصبحنا أكثر من ذي قبل نعرف كيف لمهرجان سينمائي ان يحقق ذاته دون لهفة مادية صرفه، وأصبحنا نعرف الكثير من المهرجانات كيف تتعامل مع تقريريها الأدبي والمادي. لذلك كنت مجبرا على التوضيح علنا بأهمية عقلنة ترتيب الدعم الكافي للجميع، لأنه فعلا نتوفر على ما يكفي التغطية المادية للجميع دون إقصاء، مقابل ذلك توفير التتبع الموازي ورفع التقارير الإدارية من لدن لجنة مختصة تواكب الفعاليات، حتى لا نسقط في هدر قيمة الدعم في غير محله. ومطالبة اللجنة المنظمة بتجويد عطائها ليلمس الجميع ثمرة إنتاج برنامجها، وإجبارها على الإستمرارية بنظام وانتظام تبعا لقانونها في كون المهرجان تقليدا سنويا ما دام ليس هناك أي عارض. بل نحث الجهة الإدارية بالمركز السينمائي على ترتيب جزاءات جراء عدم الوفاء بالمواصلة والتنظيم المسترسل بغير سبب. إن هذا التذبذب في التنظيم يقلل من قيمة المهرجان السينمائي، ويجعل منظميه يشتغلون برؤية منفردة، شخصية. وفي نفس الآن هم يحسبون على الحقل الفني السينمائي بكل مكوناته ومقوماته البشرية، الفنية، الادبية والتقنية، وكذلك هو سبب في تفقير المدينة فنيا، إذ لا يملأ فراغه بما يجب ويبقى عبء لا هدف واضح فيه. وفي نقطة أخرى نأمل في منظمي المهرجان السينمائي/او التظاهرة السينمائية تنويع حضوره السنوي، وإشراكها في تأثيث البرنامج ليس بالحضور فقط، وإنما لابد للفنان أن يدلي بتجربته للآخرين وأن يسهم في إنجاح الفعاليات بشكل أو بآخر، ذلك لنجعل منه مستنبتا خصبا في تنشيط وتفعيل الطاقة الفنية/السينمائية بشكل إيجابي تصل ثماره كل فئات المجتمع، وهذا من أسمى الأهداف التي نحرص على جنيها بفضل لمة المهرجان. كنت أود الحديث عن مهرجانات سلبية بعينها، لكن ارتأيت أن احافظ على إيجابية الجميع مع الدعوة إلى استصلاح أرضية اشتغال هذا البعض السلبي والذي لا يشكل ثقلا في المجال لعدم الاهتمام به من طرف الأخرين سواء كانوا مشاركين أو ممارسين او نقادا او حتى جمهورا. وتبقى مدينة فاس تتحرك في بطء نحو الرقي بالمهرجان السينمائي، لما تعرفه من علل وشوائب فنية في نفس الموضوع خاصة على مستوى المهرجان السينمائي الدولي الذي ينظم دورة ويتوقف دورات. إننا لا نهاجم أحدا بقدر ما نستقرئ حالات علل فنية مشينة تحتاج لكثير من المعالجة، إذا ما أرادوا أن يسجلوا بقلم المركز السينمائي المغربي، وإلا حافظوا على خانتهم بعيدا عن هذا الحقل الفني الهادف ولهم أن يشتغلوا حينها بما يرضيهم من برامج وقرارات ومقررات، ولا ينتظرون من المركز السينمائي تبني ودعم ملفاتهم الفارغة التي لا تفيد المجال في شيء. إن المهرجان السينمائي لا يمكن إلا أن يكون سينمائيا بمورد بشري سينمائي وبرامج سينمائية وفق ما تنظمه الإدارة العليا في المجال، التي من واجبها التدخل كلما تبين لها خروج عن القاعدة. وهكذا سوف تعلم الجهة الساهرة على الدعم داخل المركز السينمائي المغربي هذا المهرجان من ذاك، وهذا المنظم من ذاك الذي يحاول أن يمتطي صهوة السينما من خانة تنظيم المهرجان. ….
فاس -محمد مجاهد