جريمة الاختفاء القسري ومشروعية المساءلة في ظل القانون الدولي
بقلم: هشام الشرقاوي
تعتبر جريمة الاختفاء القسري من الجرائم الجسيمة والخطيرة التي ادانتها وجرمتها كل الاتفاقيات الدولية، وغالبا ما تلجأ اليها الدول المستبدة لتهديد خصومهم السياسيين واخراس صوتهم الى الابد، وغالبا عندما تلجأ السلطات الى هذا الاسلوب غير المشروع، فإنها تسارع في الانكار، بل وترفض الافصاح عن مكان وجود الشخص المختفي.
الذي يتعرض لكل انواع التعذيب والمعاملة اللاانسانية الحاطة بالكرامة الانسانية، وفي كثير من الاحيان ينتهي به المطاف الى الاختفاء بصورة ابدية.
فجريمة الاختفاء القسري هي جريمة ترتكب في جنح الظلام من طرف الجلادين، ويتم تبديد واتلاف كل وسائل الاثبات بحيث يصعب على الضحايا او ذويهم اثبات حقوقهم.
ويقصد بالاختفاء القسري” الاعتقال او الاحتجاز او الاختطاف او اي شكل من اشكال الحرمان من الحرية يتم على ايدي موظفي الدولة او اشخاص او مجموعات من الافراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة او موافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته او اخفاء مصير الشخص المختفي او مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون.
وقد عملت المنظمات الغير الحكومية وعائلات المفقودين ومجهولي المصير مند سنة 1980 على تأسيس فريق العمل الخاص بالاختفاء القسري الذي كان الملجأ الوحيد لعائلات الضحايا، وفي سنة 1989 سجلت لجنة حقوق الانسان عبر الفريق 18 ألف حالة اختفاء قسري، وبعد عشر سنوات زاد العدد الى 48.770 حالة.
هذه العوامل ساعدت سنة 1992 على اخراج الاعلان الخاص بالاختفاء القسري الذي نص مند البداية على 10 شروط مسطرية لاعمال مبدأ عدم الافلات من العقاب في جريمة الاختفاء القسري وهي:
”1” احضار الشخص–مرتكب الجريمة- امام المحكمة من اقوى الوسائل القانونية للكشف عن مصير الشخص المفقود او مكان وجوده.
–2-حسن سير اقامة العدل عنصر هام لضمان تحديد هوية المسؤولين عن حالات الاختفاء و عدم افلاتهم من العقاب، وينبغي ان تكون الادارة المعنية مزودة بموارد كافية تضمن حسن سيرها و محمية من التعرض للترهيب.
–3- اتخاد اجراءات لضمان الحماية من التعرض لسوء المعاملة او الترهيب او الانتقام لجميع الاشخاص المشتركين في التحقيق في الاختفاءات.
-4-تصنيف جميع افعال الاختفاء القسري من فئة الجرائم المنصوص عليها في القانون الجنائي واخضاعها لعقوبة مناسبة لخطورتها.
5-عدم جواز اخضاع امكانية المساءلة عن الافعال لاي تقادم.
-6- اجراء التحقيقات في حالة الاختفاء و نشر نتائجها من اهم الوسائل لتقرير المساءلة بالنسبة للحكومة.
7-لا يجوز اصدار او ابقاء اية قوانين او قرارات تبقي على الحصانة.
–8 الاحالة على المحاكم من قبل سلطة التحقيق المؤهلة لذلك قانونا
9-اجراء المحاكات امام قضاء عادي و ليس استثنائيا
–10-عدم اعتبار التعلل بالامتثال للأوامر (ماعدا في حالة الاكراه) ذريعة في تحديد المسؤولية الجنائية ،و يمكن ان تأخذ بالاعتبار عند التحقيق ظروف كل حالة.
فهذه المبادئ التي اقرتها لجنة حقوق الانسان في الدورة 50 والتي جرمت الاختفاء القسري وأوصت بكل التدابير لعدم افلات المتورطين من العقاب، اعترضتها عدة عوائق سياسية وقانونية في ظل التعارضات الواقعية بين الاعتبارات السياسية من جهة، والاعتبارات القانونية والحقوقية والانسانية من جهة اخرى.
وبالرغم من كل العراقيل و التحديات الدولية استطاعت المنظمات الغير الحكومية و عائلات الضحايا ومجهولي المصير الى اخراج الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري التي اعتمدت و نشرت و فتحت للتوقيع و التصديق و الانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 77/61 المؤرخ في 20 دجنبر 2006، و التي دخلت حيز التنفيذ في 23 دجنبر 2010 مع مرور ثلاثين يوما على تصديق العراق على الاتفاقية (البلد الذي اكمل عدد 20 بلدا المطلوبة لذلك) مما لاشك فيه ان اعتماد الاتفاقية الدولية لحماية جميع الاشخاص من الاختفاء القسري يعتبر انتصارا للحركة الحقوقية العالمية، و آلية قد تساهم في الحد (ولو نسبيا) من انتشارها، و كذا حماية الضحايا و الحق في جبر الضرر و قد نصت الاتفاقية على عدة مبادئ ايجابية نوجزها في ما نصت عليه المادة الأولى” لا يجوز التذرع باي ظرف استثنائي كان، سواء تعلق الامر بحالة حرب او التهديد باندلاع حرب او بانعدام الاستقرار السياسي الداخلي.
او بأية حالة استثناء اخرى لتبرير الاختفاء القسري” كما نصت المادة6 على ان المسؤولية الجنائية تشمل كل من له علاقة أمرا أو مأمورا، مشاركا او عالما بالأمر. اما المادة 14 فتؤكد على معرفة الحقيقة اولا والحق في الجبر ثانيا ويشمل رد الحقوق واعادة التأهيل ورد الاعتبار وضمانات عدم التكرار، كما نصت الاتفاقية على متابعة كل المتورطين في هذه الجريمة.
هذه المبادئ حققت بعض تطلعات ومطالب المنظمات الحقوقية العالمية لحماية الضحايا والمجتمع من جريمة الاختفاء القسري، غير ان هناك العديد من النصوص في الاتفاقية والتي فرضتها بعض الدول في ظل الحرب على الارهاب قد تساهم في تفريغ الاتفاقية من مضمونها الحقوقي والانساني.
نصت المادة 31 من الاتفاقية على انه” يجوز لكل دولة طرف عند التصديق على هذه الاتفاقية او بعده، ان تعلن اعترافها باختصاص اللجنة بتلقي وبحث البلاغات المقدمة من طرف الافراد الذين يخضعون لولايتها او المقدمة بالنيابة عن افراد يخضعون لولايتها وتشتكون من وقوعهم ضحايا لانتهاك هذه الدولة الطرف لأحكام هذه الاتفاقية ولا تقبل اللجنة اي بلاغ يهم دولة من الدول الاطراف لم تعلن هذه الاعتراف”.
المادة 32″ يجوز لأي دولة طرف في هذه الاتفاقية ان تعلن في اي وقت اعترافها باختصاص اللجنة بتلقي وبحث بلاغات تزعم دولة طرف بموجبها ان دولة طرفا اخرى لا تفي بالتزاماتها بموجب هذه الاتفاقية، ولا تقبل اللجنة اي بلاغ يتعلق بدولة طرف لم تصدر هذا الإعلان.”
وهذا في اعتقادنا قد يضعف من حقوق الضحايا في الجبر والإنصاف.
يلاحظ من خلال المادة 31 و 32 انهما اشارتا الى مصطلح” يجوز للدولة ” و هي عبارة تعبر عن رغبة سيادية قد تتحقق او لا تتحقق كما انها غير ملزمة من الناحية التعاقدية حتى تكون لها اثار قانونية.
مما يعني ان الدولة في غياب التزام وتصريح واضح عند المصادقة بصلاحية واختصاص اللجنة المعنية بالاختفاء القسري بتلقي شكاوى الافراد ضحايا هذه الجريمة، ستتحكم الدول في نوع التقارير والقضايا المقدمة الى الدول الأعضاء في الاتفاقية أثناء تقديم التقارير السنوية (وهي تقارير – حتما- لن تسبب احراجا للدولة).
ومجمل القول لابد من التذكير بان التكلفة السياسية لجريمة الاختفاء القسري والتعذيب وجميع الجرائم ضد الانسانية اصبحت باهضة، وذلك بسبب التطور التكنولوجي وسرعة انتقال المعلومة وكذا وجود اليات قضائية زجرية كالمحكمة الجنائية الدولية.
فالعالم لم يعد قلعة امنة للطغاة والجلادين لذلك فمشروعية المساءلة وتكريس مبدأ عدم الافلات من العقاب في الثقافة الوطنية، يعتبر الضامن الاساسي لحماية المواطنين واعطاء شرعية ومصداقية للدولة.