قراءة نقدية في لوحات الفنانة الصيدلانية إنتصار الغربي
حسن بوسلام. أديب وناقد مغربي/
الوجوه المختفية بين حدي اللون والمساحة
اللوحة التشكيلية تنقلنا دائما من الرؤية البصرية التي تلتقط الألوان والاشكال الهندسية والمساحات البيضاء الفارغة، الى رؤية بصيرية كاشفة للأبعاد اللونية الموظفة والباحثة بين تخوم الخطوط عن القلق التشكيلي الذي دفع الفنانة المرسمية إلى بنائه ، انها رحلة تتقاطع بين العين والذاكرة ،بين الكشف البصري والاستكشاف الفكري الذي يعيد اللوحة إلى جادة الصواب بعد أن تمردت بجنونها الفني على قواعد الواقع المألوف وحولتنا من بنية التوقع (المعنى المألوف) إلى بنية المفاجأة (المعنى المتواري خلف حركية اللون)
الوجوه المختفية وراء الانكسار*
وانا أقرأ اللوحات قراءة بصرية، وجدتني أتساءل عن عدة توظيفات فنية وان كانت هاته الأسئلة تتضمن أجوبة او مؤشرات تفسيرية لغائية لا تظهر بسرعة بل هي منفلتة عن الإمساك في أول رصد بصري.
*ما سر توظيف هاته الألوان الخجولة ،والباهتة أو لنقل الباردة ،مع غياب الألوان التي فيها حرارة ،والالوان الترابية؟
*لماذا هذا التكثيف في بيانات الخطوط والذي يجعل العين في حيرة من امرها ؟
*ماهي الاحالات الدلالية في رسمنة الدوائر الصغيرة والتي أثثتها الفنانة على مساحات اللوحة ولم تترك فراغات ؟
أسئلة تمهد إلى ما قصدية دلالية ،تحجب عنا فوضى الألوان وتؤكد براعة الفنانة في خداع أبصارنا وتوهيمنا ببساطة الطرح المرسمي ،لنرجع إلى الأجوبة التي تفتح لنا أفق الابداع الذي يقف أمام هاته المشاهد ،،،، الألوان البسيطة والباهتة تنم عن الخوف الذي تعيشه الفنانة، الخوف من شيء معين ،هذا الخوف الذي ترجمه اللون الخجول وجعلنا نسقط في فهم خاطئ لطبيعته ،،اذن الخوف من ماذا ؟ربما من العمر أو من الزمان ،أو من النظرات التي تنظر خلف الأفكار المسبقة عن الذات ،وهذا ما تؤكده الوجوه الكثير والتي أرادت الفنانة أن تخفيها في تلك الدوائر الصغيرة والتي تترجم حالة نفسية تعيش صدمة وقلقا وجوديا ،هي وجوه متعددة الأشكال ومختلفة النظرات تقبع بعيدة لتتمكن من زوايا نظرها تبحث هي الأخرى عن منافذ كي تطل منها على العالم وتعيش تناقضاته ،هو عالم مغلق بانغلاق الدوائر ،وانغلاق المساحات التي منها ستطل الفنانة المرسمية على حقائق هي قريبة من الإمساك بها بعيدة عن فهمها.
استطاعت هاته الفنانة التشكيلية أن تقدم لنا وصفة مرسمية على طبق من ألوان مشبعة بالخجل الموسوم بالتواضع، فرغم ما نتوهم بساطتها إلا أنها عميقة على مستوى الرؤية الفنية وعلى مستوى الموقف الفكري.