قراءة في كتاب “كسرة خبز” للقاص حسن إبراهيمي بقلم : أمنة برواضي
الأستاذة :أمنة برواضي/
كسرة خبز وهو عنوان الكتاب صنفه الكاتب ب شذرات أدبية وهو من الحجم المتوسط يضم 118 صفحة.
من خلال الصورة التي تزين غلاف المجموعة يتضح أن الكاتب أراد أنط يعري الواقع وينتقده من خلال نصوصه، ويعطي لنا فكرة عن كون كسرة الخبز مركز الصراع ومحور الأحداث، وما يزكي قولي هذا تلك الأيادي الكادحة التي تتهافت لاقتسام الرغيف، وحتى تلك التي يبدو صاحبها يرتدي قميصا ناصع البياض.
تتعزز نصوص هذا الكتاب بالعديد من الحقائق التي يعيشها الإنسان البسيط في البلدان العربية بشكل عام من أجل ضمان كسرة خبز، وهذه الحقائق أسبغت على العمل جملة طابعا متميزا. يرمي الكاتب من خلال هذا التوظيف إلى التخفيف من الظلم والجور الذي طال الإنسان البسيط من طرف الآخر الذي حرمه أبسط حقوقه من أجل حياة كريمة.
حيث جاءت مجمل شذرات المجموعة تصور هذا الصراع، ونظرة المثقف الملتزم حسن ابراهيمي لقضايا عصره ومبادئه والحامل لرؤاه الخاصة للعالم، ومن السمات التي تميزه انفتاحه على الواقع بشكل كبير واستلهامه في كتاباته.
عندما يرى الشاعر الفقر يتفشى في الشارع فهو يرى في ذلك محاولة لسلب الإنسان أبسط حقوقه، وهو كسرة خبز. لذلك نجد نصوصه تدعو بشكل أو بآخر إلى حب الإنسان، وضمان حقه في العيش.
لكنه في الوقت ذاته يرى الحياة والأمل ينبثقان من كفاح هذا الإنسان البسيط ضد الجوع يقول:
فالخبز تمثل رمز لبقاء الحياة
أما رمزيا فلها دلالة الارتباط بالأرض والسماء
السماء التي تهب الماء لينبت الزرع
والتمكن من كسب كسرة الخبز يمنح الاستمرارية والبقاء على قيد الحياة.
لذا عمل شاعرنا على إيلاء هذه الأهمية لكسرة الخبز لتصبح تعني البقاء.
ولعل الخبز من أهم الأشياء التي لها ارتباط روحي مع الشاعر.
فهي تمثل الالتحام الأوثق والأبقى مع الإنسان ليضمن بقاءه
فنجده يكررها في ديوانه مرات عديدة، كما وردت في دلالات عدة مما يدل على أن الخبز علامة من علامات الكينونة والبقاء على قيد الحياة.
بالإضافة إلى كون الكتاب موسوم بكسرة خبز وهذا له دلالته.
وقد تحمل الخبز عند الشاعر دلالة قوية على ضياع هذا الإنسان الذي يهجر وطنه سعيا إلى كسب كسرة خبز.
وقد جعل الشاعر من حبه للخبز دليلا على كونها تؤدي وظيفة رمزية بحتة.
يقول في إحدى شذراته:
الخبز رمز الحياة وهو غذاء الفقراء كما الأغنياء.
كما نجد رمزية الخبز الفذة ممتزجة في ذهن الشاعر بالبكاء على واقع التشرد في الطرقات.
وأول ما يبدأ به في المجموعة حنينه إلى الوطن قائلا:
لست سواك يا وطني
عانقتك في أفواه المعتوهين
والفقراء…
عانقتك في كل كسرة خبز
تصدح في الشارع…
في وجه القمع…
وجه المتارس التي تمنع المارة من اقتطاف ورده في كل حقل يسقى بدماء الشهداء …
ليست سواك يا وطني، وباسمك أقول لا للتجول في كل حقل
يسقى بالغدير،
يلتفت حوله ليحول الحياة إلى رماد بعد انتصاب لجمر في قلعة الشرفاء
الصفحة :5
القصيد تعج بكلمات مثل: القمع، الحصاد، دماء رماد …
ويقول في أخرى:
الهزيمة تعوي أشلاء الموتى وتتراقص دماء الشهداء
كيف للهزيمة أن تجعل أشلاء الموتى من الهول تهوي ودماء الشهداء تتراقص لكن الفجر آت ..
صفحة:6
انتحل باب الزم
بحر ينتعل السراب
سطح أخذه الموت
يبعثرون خيبتي على الإسفلت
شمس تتدحرج بجانب الموت
حتى الشمس التي هي رمز للضياء والحياة جاءت في صورة سوداوية فهي تتدحرج بجانب الموت.
يبدو الكاتب يحمل هموم الأرض، وهموم الناس
لذلك جاءت شذرات غارقة في السوداوية
لكن الأمل يظل يرافق الشاعر، ولا يستسلم لليأس.
ولأن التشبث بالوطن يعطي لصاحبه الحق في العيش على أرضه.
لذلك نجد الكاتب يعطى للإنسان شرعية حق العيش بكرامة في الوطن والخبز من أكبر هذه الدلالات التي تبقيه على أرضه
كما يدعو إلى التمسك بالوطن والصمود، وعدم والاستسلام لمن يريد منهم الرحيل.
طبعا فالشاعر ينتمي إلى الواقعية الاشتراكية التي تفرض عليه أن ينتمي إلى الجماهير، ويعري أمام أعينهم حقيقة الواقع.
اقترابه من الناس أكثر جعله يصور الواقع بدقة متناهية فهو يستعير من العالم الخيالي لبناء الصور التي يلتقطها بدقة متناهية من المجتمع، لتعطي لنا درامية عالية.
وبالعودة إلى النصوص الشذرات سنجد الهم العربي يحتل موقعا بارزا في فكر الكاتب حسن إبراهيمي، وهذه بعض النماذج على سبيل المثال:
ارتأيت أن أروي قصة
امرأة تصرخ أمام
الصخر …فصرخت وإياها
أمام أذن صماء …
صفحة 34
الربيع … ولم يبق للشمس
من ترقص لهم في آخر
الشعاع … انتهت المعركة
ولم يبق فوق حصير الرماح
سوى كسرة حزن وماض عج
بالجياع.
صفحة: 45
كما هناك شذرات تصور لنا ما يعيشه المثقف أو المواطن مع السياسة التي تحاول جاهدة إخراس الأصوات، وتصوير قتامة الوضع وهذه بعض النصوص:
انطفأت زوابع الحمل …
واشتدت عيون الدسائس…
وانتصبت القضية تصرخ في
وجه الظلام.
صفحة :51
الينابيع… تحررت أطلال
سيجت خيما بأوتاد
الهزائم، فوق أحزاننا
وقفت بدون اشتهاء …
فزغرد عربون الحرية مهللا
لطيف الانتصار.
صفحة: 60
ولا تقف الشذرات عند هذا الحد، وإنما نجد العديد منها تنضح بالتعبير عن الأمل وإشراقة الضوء بعد ليل دامس، وهي كلها نصوص تعمل على بعث روح التفاؤل في الإنسان العربي.
كما تتسم نصوص المجموعة بالعمق والخصوبة أقتطف لكم بعض الشذرات على سبيل المثال لا الحصر:
يقول:
في شوارع الرصاص انتحرت الأرض رفضا لإنجاب مدن جديدة للعدو
جميل أن يشبه الأرض
بإنسان يرفض الهزيمة
وتنتحر كي لا تخلق مدنا جديدة للعدو
ويقول أيضا:
في دماء الشهداء احتشى الوطن
بجبين كل قطرة تتصبب أحزانا كاغتراب الناي بين أنامل التاريخ
كآخر قطرة تصرخ في وجه الجلاد
تفتك كل كسرة خبز .
تعاقر درر الانعتاق …
تعانق الشظايا في أنفاس السنابل وفي كل نصل يرهج صراخا
ويقول:
أسمو كشمعة …
أظل أسكب وجعي في كل ليل صرصار …
يأبه السير في الاشتهاء …
أبدد الضوء في كل عنقود …
ويقول في الصفحة:
أغلال السجان … كمومس يعبر دفتر الذكريات …
بدون كبرياء …
لقد استعمل حسن إبراهيمي في جل نصوصه علامات و رموز موغلة في البلاغة؛ إنه يحبك النص كل ما أوتي من أساليب ومفردات لغوية معبرة وهادفة.
إلى أن يحصر لنا الأمراض التي يغوص فيها المجتمع ويصورها شبحا مخيفا يستحيل القضاء عليه.
تحس بالكلمات تنساب دون كبير عناد، كلمات وافرة بالدلالات،
تأسر القارئ لما تنطوي عليه من أفكار ورؤى وجماليات.
نجد الكاتب في هذه الشذرات متصالحا إلى حد كبير مع المعاناة، وصعوبة المخاض ليخرج لنا في النهاية عملا متماسك البناء مكتمل العناصر.
الكاتب اختار أن يجنح نحو لون من التحدي والرغبة في سلك دروب وعرة في انتقائه الجيد للمفردات والكلمات، وهذا ما نلمسه في عمله الأول الذي بين أيدينا: ” كسرة خبز” هذه التجربة المكتملة التي تلوذ بالتعبير المكتنز لعناصر البناء النثري.
كخلاصة:
حسن ابراهيمي يكتب بلغة متفردة ينتقيها من معينه الذي لا ينضب فكأنه ينتقيها بطريقة احترافية، كلما ظننت أنه قال كل ما لديه هل عليك بكلمات لا تقل فخامة وجودة عن الأولى
كما نجد في نصوصه ترادف القوافي الجراح الرياح والحشد
هذا التنقل يحملنا على أمواج من الموسيقى.
كما لها وظيفة فنية مرتبطة بالغنائية فضلا عن شعريتها اللغوية التي تضفي سمة الجمالية على النصوص، وهذا أضفى على العمل بعدا جماليا ولعل هذا ما راهن عليه الكاتب من خلال تدفق اللغة الشعرية.
وقد نجح فعلا في جعل القارئ لنصوصه يقرأها بشغف، وجداول الجمال تنساب من حوله رغم قتامة الوضع الذي يصوره ورغم السواد الذي يغطي جل النصوص.
يبدو أن الكاتب يحدوه طموح جارف لوضع أرضية صلبة لشذراته فهو يبحث لها عن الكلمات الهادفة القادرة على احتواء الحاضر بكل ما يروج فيه من وقائع، وتقديم رؤية للقارئ عن الصراع وراء كسب كسرو خبز.