سقسقة على فنن القصيدة: دراسة نقدية للناقد أحمد دحمون في قصيدة “حُبُّكِ إستثناء” للشاعر محمد الرضاوي
قالت إن اخترتَ وطنا غيري
نفيتك في قلبي حد الفناء
قصيدة حبك استثناء لشاعر المنفى محمد الرضاوي هي كتابة استثنائية في زمن استثنائي فرض فيه الحجر على الإنسان بطريقة إهليجية فصارت المشاعر مقابر ومباخر تنفث عطر الموت ودخان الاغتراب فكيف يصبح الاستثناء شعرية الوقت وشاهد العصر…؟
يلامس الشاعر محمد الرضاوي الموج وهو يزخر العباب ويعلوه الزبد فيمسك الرذاذ ويشكل منه لوحة دادائية لذات مغتربة في المنفى ترقص على الماء وتطرز الألم منديل أحلام محكومة بالتناقضات وبألوان الطيف وفرشاة الحلم يدخل الشاعر مرسم الكلمات ليشكل فوضى المعاني وارتجاج العواطف وفق ظلال متشابكة حد التنافر لا لغة قمينة بالكشف عن البوح الأسير وطبيعة الإكسير الذي يجعل من القصيدة صودا
أو غازات قابلة للانفجار …..
النص محكوم بتوزع اثناني ضدي كما سنبين يتراوح بين جدلية الحضور والغياب، الامتلاء والفناء ، اليأس والرجاء.
والناظم البنيوي للبنية العميقة للنص هو الاستثناء ،فعلى مستوى العلاقات المكانية يتداخل القرب بالبعد وتتلاشى الأبعاد الهندسية وهذا طبيعي ففي المنفى يفقد المكان مدلوله الفيزيقي ليتحول إلى هزة وجودية فيصبح مكان اللامكان ويحمل الشاعر كما الطائر مكانه الحميمي في ذهنه وفق جدلية التمزيق كما يذهب جاستون باشلار في كتابه جمالية المكان، وتخلق الخلخلة لشعرية المكان انهيار البرزخ الفاصل بين عناصر الوجود: التلاشي/التمايل-السكون/الفناء- الحب/الجنون-الافتتان/الارتواء-الملم/يخذلني-أشواق/جراح-الأرض/السماء-عطف/عذاب-عطف/عزاء-اكسر/اعلن _ الأنين/البقاء _ بوح/إخفاء_ منفى/انتماء ، تنتج هذه البنية العميقة المتصادية ضديا مجموعة من المتوازيات على مستوى البنى السطحية المتواشجة رمزيا ومجازيا: القرب=الحب = البوح = الأرض=العطف=الأمل =السكون = الأرض = المرأة = الوطن .
إن النواة الشيفرية للنص تقوم على مبدأ كسر الاستثناء وبناء القاعدة عن طريق الكسر والهدم والتصدي للتشظي فيصبح القانون التاريجي والجدلي المنطقي:لكل شاعر وطن
وحين النفي يتكسر الأقنوم الثاني:الوطن فيصبح الشاعر داخل مكان بلا مكان وداخل وطن بلا وطن وداخل قلب بلا حب داخل امتلاء خواء فيكون نضال الشاعر أورفيوسيا عبر رحلة البحث عن سر الخلود داخل وطن أجمل وحلم أجل وحب أكمل القصيدة دعوة لرفع الحجر عن الحب في زمن بلا وطن وفي وطن بلا زمن ككل غريب.
يحمل الشاعر محمد الرضاوي ناي القصيدة ويعزف لحن الحنين بأوتار الأنين باحثا عن الجمال والمثال عن وطن حمال أوجاع الإنسان حتى وإن كانت حدود هذا الوطن جراح الشاعر وأناته وآهاته.
● قصيدة حُبُّكِ إستثناء للشاعر محمد الرضاوي
أيتها البعيدةُ والقريبةُ …
أما زِلتِ تُعانِدينَ الأقدارَ كَمَن يُصارعُ في لُججِ البحرِ الأنواء…؟؟
أم ما زِلتِ لا تَرينَ كيف أَضيعُ وأتلاشى عندما يَتمايلُ طيفُكِ في ملامحِ البدرِ بخيلاء..؟؟
ألم تُدركينَ بعدُ أنني غارقٌ بعمقكِ ،مسكونٌ فيكِ ، حتى الفناء….؟
أم أنَّ مَسٌّ أصابني من جنونِ الحبِّ وإبتلاء…!؟
فصِرتُ مفتوناً بِشَغَفِ ملامِحكِ السِّحريَّةِ بِلا ارتواء..!!
أُلملمُ ما تبقَّى من أحلامي قبلَ أن يَخذُلَني العمر…
فقد شارَفتْ قطراتُ الرُّوحِ على الإنتهاء .
وعلى ضِفافِ البُعدِ أرجو إعتناقَ الحُبِّ بأشواقٍ مثقَّلةٍ بالجراح…
قبل أن تنتحرَ أعمارُنا البَلْهاء..
وتُفْنى أحاسيسي على غمائِمِ الفراقِ معلقةٌ بين الأرضِ والسماء ،
أستغيثُ عطْفَ الأيامِ..
وأرتشفُ مُرَّ العذابِ من كؤوسِ الظُّلمةِ والشقاء…
تارةً ، أعزِفُ على أوتَارِ الأملِ ألحانَ العِشقِ بِنغماتِ العزاء…!!
لا تُعانِدي …
فأنتِ في حياتي إسْتثناء..
وعندما أشتاقُكِ، أُكسِّرُ كُلَّ القوانينِ وأُعلنُ لِقلبِكِ الولاء..
فقد وَعَدَتْني عيناكِ في غَمْرةِ الأَنينِ بالبقاء..
وجَمعتُ أيامي التَّائهةِ بدونكِ، وَغَمَرتُها بالصفاء…
وأخذتُ أحلامَكِ المسافرة بين يديكِ ولوَّنتُها بسِحرِ الرجاء…؟؟
اليكِ بوحي وحروفُ أشعاري اعترافٌ للحبِّ دون إِخفاء..
إليكِ قصاءدي في غُربةِ منفايَ
تنتظر روحكِ فيها اللجوءَ إلى قلبي والإنتماء….
فنحن خُلِقنا نصفينِ يَبحثانِ في عالمٍ مختلفٍ عن لقاء..!!
سأظلُّ أنتظرُكِ ولو تمَّ الإعلانُ عن حَضَرِ التِّجوالِ
أو إغلاقِ الحدودِ
ولو حتى الفناء .
* محمد الرضاوي .
ديوان قصائد في المنفى _ إسبانيا