الكاتب المغربي علال الجعدوني يكتب : قراءة أدبية مختصرة في حق الشاعرة : خديجة ناصر .

من الفنون الجميلة التي ظهرت مع الإنسان هو الشعر، وهو الذي يترجم بدقة عالية صور الحياة المتعددة لأن كل كلامه يجسد روح المعنى . واشتهر العرب منذ القدم بالتعاطي لهذا الفن الراقي حتى أصبح له أهمية كبيرة ،حتى أضحى الموسوعة التي تحتوي كل الأخبار والقصص كوصف : الخيام والرحلة ، ووصف الحيوانات ورحلات الصيد ، والحروب ، والمدح ، والغزل ، والهجاء ، والرثاء وكل ما هو مرتبط بالحياة المعيشة ، ولهذا سمي ب( ديوان) العرب .

ولقد مر بعدة مراحل نجملها فيما يلي :
١- شعر صدر الإسلام
٢-شعر العصر الأموي
٣-الشعر العباسي
٤-الشعر الأندلسي
٥-الشعر العثماني
٦- الشعر الحديث
وهو الشعر الذي تخلى عن القافية والوزن ، والذي سيصبح عبارة عن شعر حر تتجسد كلماته باستخدام مفردات وكلمات لها معنى ومغزى عظيم ، والمنتشر بشكل واسع بين شعراء أواخر القرن العشرين .
وقد تبنى هذا الطرح شعراء الحداثة ومن بينهم الشاعر أدونيس الذي جمع بين الثقافة العربية الكلاسيكية والحديثة المعاصرة ،كما يعتبر من بين أهم النقاد الذي وضع أساسيات شعر النثر .
وقد تعاطى لهذا الشعر جل الأقلام الحديثة حيث انتشر في الوطن العربي بشكل سريع وبديل للقصيدة العمودية التي تتطلب الاتقان والصناعة واحترام الأوزان الشعرية .

الشاعرة :
وبين أيدينا شاعرة مبدعة موهوبة خديجة ناصر اعتنقت الكتابة الشعرية برغم تخصصها هو الترجمة العلمية ، إلا أنها دخلت عالم الكتابة من تجربتها الشخصية وتفننت في شعر الهايكو والنثري الحر لتصدر ديوان شعر عنونته بعنوان : * همس المساء *.

دلالة الغلاف :
وانطلاقا من دلالة الغلاف الملون بعدة ألوان والتي يغلب عليها طابع اللون الأحمر ؛ الذي يعتبر أحد الألوان الرئيسية الثلات الموجودة في الطبيعة .
يعتبر اللون الأحمر لون ناري يرتبط بشكل أوتوماتيكي بالعاطفة والمشاعر ، نجملها فيما يلي :
الفرح ،القوة ،الحب،العاطفة،الرومانسية ،الشوق ،الشجاعةالقيادة ،العزيمة،الحماس ،الاندفاع ،النشاط ،التصميم ،إلى غير ذلك ، إضافة لارتباطه بالطاقة والجرأة . وليس هذا فحسب بل يمكن اعتبار اللون الأحمر أحد أنواع الألوان الملفتة للنظر ، بحيث يتم استعماله بشكل كبير للتنبيه عند الحالات الخطيرة والطارئة .
كما لا يمكن أن ننسى أن اللون الأحمر يرتبط ببعض المشاعر السلبية ، خاصة عند النظر إليه بكثرة ، ومنها تقلب المزاج والانفصال ، والغضب ، والسلطة والقمع والعدوانية .
وفي أسفل الغلاف توجد ألوان أخرى كالأصفر والأزرق الممزوج ببعض الألوان الأخرى . وعلى يسار الغلاف نجد شجرة النخلة ، وللنخلة عدة قراءات منها : تشبه المرأة كدلالة الجمال ، ولقد جعلت القبائل العربية من النخلة إلاها وكانت تلقب بعثر أو عتير ،إذ كانت رمزا دينيا في شبه الجزيرة العربية وشمال إفريقيا وكانت روحها تدعى عتيرة أو صديقة .
والنخلة رمز الصبر والتحدي وتحمل الحرارة .

دلالة العنوان :
أما دلالة العنوان الذي هو مفتاح الديوان : *همسة المساء * مركب من كلمتين همس / المساء
والهمس هو كلام خفي ، نقول يطأ الأرض همسا ، بمعنى يطأ الأرض وطأ خفيفا .
والهمس هو الصوت الخفي . وهمس الأقدام أخفى ما يكون من صوت القدم .
والهمس لغة هو التكلم بكلام خفي لا يكاد يفهم .
واصطلاحا هو الخفاء في السمع نتيجة انفتاح الوترين الصوتيين وعدم اهتزازهما وجريان كثير له إذ النفس .
وقد يقدم العنوان الشرارة الأولى للإعجاب إذ يعتبر مدخل من مداخل الديوان الشعري .
وطبعا هناك علاقة وطيدة بين الهمس والمساء لارتباطها ارتباطا دلاليا في المعنى والمبنى ، وغالبا ما يكون الهمس مرتبط بالمشاعر والأحاسيس الجياشة والوجدانيات إلى ما شابه ذلك ….

الثيمة :
وبالرجوع إلى تيمة الديوان : *همس المساء ”
فالموضوع العام هو موضوع وجداني ، منبسط على عوالم شاعرية ملفتة ، تتدفق برموز ، مرتبطة بذات الشاعرة ارتباطا وثيقا ، وتكاد الشاعرة تحكي ما بداخلها ، مجسدة همومها برؤية فنية قريبة من واقعها المعيش ، متحملة مواجهة الحياة والعوالم الداخلية ولو في صمت .

البيئة الشعرية. :
أما عن البيئة الشعرية ، فالشاعرة تتحلى بثقافة معمقة مستفيضة ومتميزة انخرطت في القراءة منذ صغرها وارتقت في وسط تعليمي زادها خبرة وتجربة ، كما ارتوت من تعاطيها للإبداع ، وبالأخص بانكبابها على الترجمة لعدة كتب من العربية إلى الفرنسية ، وتنغمها مع شعر الهايكو الجميل الذي ألفت فيه ديوانا تحت عنوان : *على جدار الصمت*؛ وكذا بانخراطها في عدة ندوات وملتقيات جعلت منها شاعرة مبدعة ، حيث كونت شخصيتها الأدبية بقوة وشغف مكنتها من التربع على الكتابة الشعرية الراقية بامتياز .

اللغة :
والمتتبع لكتابات خديجة ناصر يجدها تكتب بلغة جميلة لافتة ، بأسلوب مقروء ومعبر ، تحاول اقتناص لذيذ المجالات بامتطاء الترميز ، تحرك كوامن النفس ، ،تعانق التأويل والبهاء ، تجعلك تعيش من جمال الخيال الشعري ، تخاطب المتلقي بمتعة جمالية وبتغريدات شعرية شاعرية . إنها تعيش مع متغيرات العصر الحديث وحداثة الشعر ، كما أنها بأسلوبها تؤجج الجمال الدال للكلمة بصورة جموحة ، لها بلاغة دقيقة المعنى والدلالة . كل هذا جعل من أسلوبها أسلوبا تعبيريا مقدرا ، كما لا ننسى أنها وظفت أسلوبا حيويا يهيم بالقارىء في عالم الروح بذات قلقة مع إحساس بالغربة المضمن في تراقص هسيس الكلمات الدلالية والمكنون الأغوار .

الخلاصة. :
في الحقيقة فالشاعرة أوالهايكيست “خديجة ناصر ” شاعرة متميزة ، لها تجربة مذهلة ، انغمست في عوالم مطيتها المتخيل ، عزفت شعرا أنيقا ، واغترفت حد الثمالةمن فيض إبداعاتها لتشكل نصوصا بهية وارفة بتدبر صوفي راقي جدا .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.