ذاكرة التراب قصيدة للشاعرة التونسية : روضة الجبالي
لا شيءَ يُميتُ وطناً
ما دامَ الحلمُ
خبزاً دافئاً في يدِ اليتيم.
خرجَ…
وفي كفِّه ظلُّ الرغيف،
وعادَ…
بيدٍ أضاعها الغيابُ على مفترقِ الطريق.
مضى طفلاً
ينثرُ صوته على قوسِ الغيم،
وعادَ
مُضمَّخاً بكفنٍ من عطرِ الأرض.
وهيَ…
ضفائرُها ترتجفُ في لحنِ الريح،
تسحبُها نحو الضوء،
ثم تعيدها الشمسُ
نقشاً باهتاً على جدارِ النسيان.
يا بلادي…
كفُّكِ أرجوحةٌ من وجع،
وصدرُكِ مسرحٌ دائمٌ للحداد.
أمهاتُكِ
يلدنَ الصبرَ من صمتِ الأنقاض،
وأطفالُكِ
جمرةٌ تمشي حافيةً على شوكِ الخيام،
يرسمونَ ملامحَ الوطن
بأيدٍ مكسورةٍ لا تستسلم.
الطرقاتُ
تنسى خُطا العائدين،
والبيوتُ
تحرسُ شقوقَ جدرانها
كمن يحتضنُ صوتَ الغائب.
صرخنا…
فاهتزَّ الفراغ،
وتفتَّح الحزنُ
أزهارًا تنمو من الجروح.
بكينا…
فارتفعت القبورُ
منازلَ للغائبين،
ومنابرَ للذاكرة.
لن نُغمدَ القصيدة،
ولن نُسلّمَ مفاتيحَ الحلمِ
للعدم.
سنحرثُ الليلَ
بحبرٍ لا يخون،
ونغرسُ في فمهِ
فجراً لا يموت.
نمضي…
لا لأنّ الطرقَ تفتحُ ذراعيها،
بل لأنّ الحلمَ
ينزفُ من جراحِنا،
ولأنّ صدورَنا
تتّسعُ لوطنٍ
يُولدُ من الحرف،
ويضيءُ كلّما اشتعلت القصيدة.
فالوجعُ…
ليس وجعَ الجسد،
بل وجعُ الاسمِ
حين يُمحى،
ووجعُ اللغةِ
حين تُنتزعُ من فمِ القصيدة.
نكتبُ…
كي لا تُمحى الأصوات،
كي لا يفقدَ الترابُ اسمه،
كي لا يصيرَ الوطنُ
خرافةً يتلوها الريح
على بقايا الأرض،
وكي نخبّئ في الحبر
ذاكرةً لا تُسرق.
روضة الجبالي – تونس
16 / 04 / 2025