لوبوان24 في حوار خاص مع الكاتب والصحفي : يوسف شنيتي

حاورته: سمية معاشي:

_ يوسف شنيتي: يتحدث عن تحديات الكتابة والصحافة في الجزائر
_ أن تكون مستقلا في الكتابة والصحافة هو موقف واضح في وجه الرداءة والفساد.

_في هذا الحوار الخاص نتناول مع الكاتب والصحفي الجزائري يوسف شنيتي تجربته الطويلة في الصحافة والإعلام، ورؤيته لواقع الإعلام الجزائري في ظل التحولات السياسية والاجتماعية التي تمر بها البلاد. على مدى أكثر من ثلاثين عامًا من الكتابة الأدبية والإعلامية، عايش شنيتي العديد من التحديات والتغيرات التي أثرت في مشهد الصحافة في الجزائر. وهو من الكتاب الذين يواجهون التحديات بابتكار الأساليب النقدية المستقلة التي تعكس قناعاته الإنسانية والثقافية، بعيدًا عن ضغوط السلطة أو إغراءات النجاح السهل.

كما يطرح شنيتي رؤيته حول تطور الإعلام الجزائري، ويكشف عن مسار الكتابة الصحفية والأدبية التي يسير فيها، مؤكدًا أن الصحافة لا بد أن تلتزم بمبادئ الحرية والاحترافية لخدمة الجمهور. كما يوضح لنا أهمية الأدب في تغيير المجتمعات ويكشف عن التحديات التي يواجهها الكتاب الجدد في ظل انتشار ظاهرة “النشر لمجرد النشر”.

 

1_ من خلال تجربتك الطويلة في الصحافة، كيف ترى تطور الإعلام الجزائري خلال العقود الأخيرة؟ وهل تعتقد أن الصحافة الجزائرية قد حققت ما كان مأمولًا منها؟

يبدو السؤال مربكًا في سياق المرحلة الحالية ووقائعها، فلم تعد الوظيفة الإخبارية أهم الوظائف ضمن الوظائف الثماني التي حددها ماكلوهان، هناك أيضًا الوظيفة الترفيهية التي غيرت خارطة الإعلام بمختلف أنواعه الكلاسيكية والجديدة، ناهيك عن هيمنة السردية الغربية بفعل التحكم الكبير لقوى الاستكبار العالمي في المادة الإخبارية بما يفوق 90%
في النزاعات والحروب تتجلى هذه الحقيقة ساطعة، وما حدث في غزة منذ السابع من أكتوبر خير مثال، إذ يرفض الإعلام الغربي برمته أن يصف ما جرى بأنه حرب إبادة على غزة بالرغم من اعتراف المؤسسات الأممية والأغلبية الساحقة من حكومات وشعوب العالم..
الإعلام في الجزائر لا يختلف عن باقي القطاعات وهو صورة عن البلد وتطورها وأحوالها السياسية والاقتصادية والثقافية، لذا فإن أهم ما يلاحظ عليه هو الإغراق في الشأن المحلي، فالصحافة الجزائرية همها المهني محلي وحكومي أكثر مما هو اهتمام بالشأن الدولي والخدمة العمومية الحقة، ولعل ذلك يعود للنقص الفادح في التكوين والاحترافية وحتى في سقف الحرية الذي لم يعد مرتفعًا ويكاد يسقط على الرؤوس في كثير من حالات التناول الإعلامي..
نعم، المسؤولية روح الصحافة والإعلام لكن الحرية هي المعنية في ذلك كله وأما الاحترافية فهي وسيلة الإنجاز وأدواته.
هو عمل كبير ينتظر فعله لتصحيح الاختلالات وتصويب الأداء خدمة للجزائر ودورها الإقليمي المأمول.

2_ ما هي الموضوعات التي تهمك وتثير اهتمامك أكثر سواء في الكتابة الصحفية أو الأدبية؟ وهل هناك قضايا معينة تشعر أن الإعلام الجزائري يفتقر إلى تناولها بشكل كاف..؟

أكثر من ثلاثين عامًا بين الكتابة الأدبية والكتابة الإعلامية، ناهيك عن البحث الأكاديمي الذي أعشقه لأنه يمنحني العقلانية والتوازن في التناول ورؤية الكون والحياة.
هناك محاذير على مستوى الكتابة بين الأدب والصحافة؛ غير أن امتلاك المهارة والأدوات وحده يمنحك القدرة على كتابة ما هو أدب بروح إبداعية وجمالية بعيدًا عن ثوب الصحفي وضرورات المهنة ومعاييرها.
وبالعودة لصميم سؤالك فإن ما يساورني في الحياة من هم إنساني وحضاري هو بالضرورة ما يثير اهتمامي.
ليس في معتقدي ما يسمى الفن من أجل الفن تمامًا كما ليس هناك حرية مطلقة في الصحافة..
الانتصار للقيم الإنسانية المطلقة كفيل بمنح النص الأدبي خلوده وبقاءه؛ فمعاناة الإنسان حتى ضمن محليته هي ما يدفع لإنجاز نص شعري أو سردي مبهر بمضمونه وأبعاده وأدواته أيضًا..
أنتصر للمستضعفين والحالمين على السواء في وجه هذه الطاحونة الشرسة للغرب وقوى الاستكبار العالمي وتغول الرأسمالية المتوحشة بسردياتها المضللة أحيانًا حينما يتعلق الأمر بحرية الشعوب وسيادتها وحقها في المقاومة والكرامة والمساواة.
أنا لا أخالف ضميري الأدبي في الصحافة ولا أتملق بضميري الصحفي في الكتابة..
أنا يوسف في الأدب وأنا يوسف في الصحافة.. لا فرق..!
نعم؛ هناك قضايا لا يتناولها الإعلام الجزائري؛ فهو يبالغ في طريقة التناول أحيانًا ويسكت عمدًا عن تناول أخرى؛ وتغيب الصحافة الاستقصائية؛ وقد تلوذ الصحافة بكافة أنواعها عن طرح الأسئلة وحتى الاستفسار عن خلفيات خبر معين لا يكتمل إلا بشرحه… إلى غير ذلك من القضايا والمؤشرات.

3_ كيف تنظر إلى دور الإعلاميين الشباب في الجزائر اليوم؟ وهل ترى أن لديهم القدرة على إحداث التغيير في المشهد الإعلامي والثقافي في البلاد؟

الإعلاميون الشباب جزء من المنظومة الإعلامية الوطنية العمومية والخاصة، ربما تميزوا بشيء من الحماسة أكثر من جيل الكبار الذين فقدوا الشغف مع وجود الخبرة، وربما ينتظرون فقط سنة التقاعد..!
هناك مفارقة في هذا البلد، هي أن المهن كلها على صعيد واحد من قانون العمل والترقيات والتقاعد مع أنها ليست كذلك في الأصل وفي المعنى والتأثير.
هناك مهن هي أكثر من مهن فهي رسالة ونبل واستحقاق بالنظر لخطورتها وأهميتها.. من ذلك التربية والتعليم والبحث العلمي والطب والصحافة..
لكن للأسف الأمر لا يبدو كما هو عليه فعلا..
أما التغيير في المشهد الإعلامي فمسألة أكبر من مجرد رغبة أو أمل أو خطاب، إنها مرتبطة بشروط مهنية واحترافية ليست متوفرة من أجل ترقية أداء الإعلام الجزائري الغارق في محليته وفي خدمته الحكومية بدل العمومية والغارق أيضًا في اختلالات مؤسسية وتنظيمية وفي خطاب تعبوي ودعائي يحرم البلد من المكاشفة الحقة مع مواطن التقصير وكشفها بكل روح مسؤولة وبحرية تامة تزيد في مناعة الجبهة الداخلية وتعزز صورة البلد خارجيًا.
من هذا الباب يبدو التغيير في المشهد الإعلامي والثقافي بعيد المنال وعصيًا جدًا بسبب الرداءة والفساد وقلة الاحترافية والتكوين الجيد.
إنها مشكلة منظومة وإدارة وليست مشكلة توفر الرغبة لدى الشباب.

4_ العديد من الكتاب والإعلاميين يواجهون تحديات في الحفاظ على صوتهم المستقل. كيف استطعت الحفاظ على استقلاليتك الإعلامية والثقافية..؟

من حيث المبدأ الكلمة موقف؛ والكتابة هي شكل من أشكال المقاومة، بل هي المقاومة الأخيرة في وجه الممارسات والمظالم غير الإنسانية التي تشوه التاريخ كما حددها يومًا إدوارد سعيد في برنامجه الشهير لإذاعة “bbc”، ولذلك فإني أعتقد جازمًا أن الثقافة سلطة وتكون كذلك دائمًا بنزعتها النقدية وروحها الاستقلالية، والكتابة في هذا المغزى اختيار؛ وليس سهلا أن تكون كاتبًا مستقلاً وصحفيًا ملتزمًا لأن عليك كلفة يجب دفعها، وأن تصمد بعدها في وجه محاولات الإغواء أو التدجين أو الاحتواء أو حتى التهميش والتعسف.
أكثر من ذلك عليك أن لا تكون كائنًا طلليًا تبكي على الماضي وتنوح على ممارسات رديئة أو فاسدة في الترقي والمسؤوليات ثم يتم إسكاتك بمنصب لتدخل البيت من غير إحرام..!
هذا ليس زمانك إذا انتقدته بصوت مستقل وكنت ملتزمًا منحازًا لقيم الحق والعدل والجمال ولا تنتظر وراء ذلك مكرمة لأن الخيانة ليست وجهة نظر أو اختلاف في التقدير والرأي.. دفعت الكثير بسبب استقلاليتي ولم أتغير أبدًا رغم أن الجزائر تغيرت، ومثلي كثر في مجالات كثيرة مع صبرهم على أذى الفساد والرداءة لا يزالون بخير بضميرهم وكرامتهم وأملهم في غدٍ أفضل.

5_ هل تعتقد أن هناك حاجة لخلق منصات إعلامية ثقافية جديدة في الجزائر تعكس تنوع المجتمع وتشجع على الإنتاج الثقافي المحلي..؟

أنوه إلى أن الجزائر  بتعدده وتاريخه وأعلامه وثقافته ليس لديه مجلات ثقافية راقية..
كل مجلات وزارة الثقافة متوقفة منذ سنوات وعقود.. لا مجلة الثقافة ولا مجلة آمال ولا مجلة ألوان، ومجلات أخرى كانت مثل الأصالة ومجلة شاشتان… إلخ.
أكثر من ذلك لم تدخل في السنوات العشرين الماضية الصحف والمجلات الدولية كما كان الأمر في السبعينيات والثمانينيات..
تغير العالم ولم تتغير هذه الممارسات البيروقراطية بالرغم من وجود الميزانيات والكفاءات.. شيء مؤسف حقًا بل وغير مفهوم أيضًا.
فكيف لا تحتاج الجزائر اليوم إلى كافة أنواع الإعلام الجديد والكلاسيكي بما يعكس هذا الثراء الثقافي والفني والتنوع الاجتماعي من حيث الفئات العمرية والمهنية بحاجاتها المختلفة والمتعددة.

6_كيف ترى انتشار ظاهرة نشر الكتب في الجزائر في السنوات الأخيرة؟ وهل تعتقد أن الكثير من الكتب تنشر لمجرد النشر أم أن هناك قيمة أدبية حقيقية وراءها..؟

طبعًا لا يمكن الجزم بالجواب في مثل هذه القضايا لغياب المعطيات الدقيقة؛ لكن هناك فعلاً ظاهرة كثرة الناشرين والعدد يتجاوز ألفي دار نشر..!
مع أن ذلك لا يعني أبدًا ازدهار الكتاب والنشر والمقروئية..
شيء مختلف تمامًا.. هناك طيفيون كثر في قطاع النشر همهم الربح مع المؤلفين الشباب ممن لا خبرة لهم وهمهم أيضًا أموال الدعم العمومي؛ أما جودة الطبع والتوزيع والمقروئية وتصدير الكتاب فمؤجلة إلى حين في ظل غياب سياسة مدروسة في هذا الشأن..
الكتاب صناعة ومنتوج يحتاج إلى شركاء ومدخلات إنتاج وتشريعات ودعم ضريبي.. الخ..
طبعًا هناك دائمًا استثناءات لعناوين وكتب ومؤلفين.. لكن الاستثناء ليس هو القاعدة والمقروئية في خطر فعلاً..

7_ كيف يمكن للكتاب الجدد أن يحافظوا على جودة العمل الأدبي وسط هذا التزايد الكبير في عدد المنشورات..؟

دور الكتاب الجدد هو ذاته دور كبار الكتاب عمرًا أو حضورًا.. لا فرق..
الكتابة صنعة وجودتها هي ما يحدد الفارق بين النص الجيد والنص الرديء؛ وبالنهاية لا يصح إلا الصحيح..
المخربشون كثر والكتاب الحقيقيون يجدون دائمًا مكانًا لهم تحت الشمس مهما كانت السحب والغيوم..
انظري إلى كتاب مثل “الإمتاع والمؤانسة” لأبي حيان التوحيدي كيف صمد إمتاعه إلى اليوم من بين ملايين الكتب والعناوين.. فلا يبقى إلا النص البديع والكتاب الجميل..

8_ كيف تقيّم تأثير ظاهرة “النشر لمجرد النشر” على المشهد الأدبي الجزائري؟ هل تهدد جودة الأدب المحلي..؟

من يدفع يطبع.. هذا قانون النشر في الجزائر ولكن الديمومة والخلود والتتويج لا ينالها إلا الكتاب الجيد والكاتب المبدع حقيقة..
سوق الكتاب تحكمه قواعد الترويج والتسويق والإشهار والجودة وما إلى ذلك والمشهد الأدبي يعج بأدعياء الإبداع والفن ولكن به أيضًا المحترفون والمميزون بأسلوبهم ولغتهم وأفكارهم ومضامينهم.. وتتويج النص الشعري والسردي الجزائري بجوائز عربية وعالمية مرموقة خير دليل.

9_ ما هو تقييمك للمؤسسات التي تدعم الكتاب الجزائريين في نشر أعمالهم؟ هل تقدم هذه المؤسسات دعمًا حقيقيًا للأدب أم أنها تساهم في تشجيع ظاهرة النشر لمجرد الظهور..؟

هناك دعم من خلال صندوق الكتاب على مستوى وزارة الثقافة والفنون؛ وهناك أشكال أخرى للدعم بواسطة وزارة المجاهدين وديوان حقوق المؤلف والحقوق المجاورة…
وهناك لجان مشرفة يرأسها كتّاب ومثقفون؛ ويفترض أن الاختيارات تكون مدروسة أو هذا ما يجب أن يكون على الأقل..
أما رأيي فعبرت عنه في أكثر من منبر إعلامي وثقافي وهو أن لا جدوى من هذا النوع المباشر من الدعم والأفضل أن يكون الدعم العمومي في شكل إجراءات تشريعية وجبائية وإعفاءات لصالح صناعة الكتاب ودعم سعر الورق ناهيك عن تأسيس الجوائز وتعديل قانون حقوق المؤلف الذي لم يعد صالحًا بعد أكثر من 20 عامًا..
أعني هنا إجمالًا وضع سياسة شاملة للكتاب والمقروئية وللثقافة بكافة مؤسساتها لصالح المعرفة وبناء الذات الحضارية.

10_ في ظل التحولات السياسية والاجتماعية في الجزائر، هل تعتقد أن الأدب يمكنه أن يظل أداة فعالة للتغيير الاجتماعي والسياسي، أم أنه أصبح مجرد انعكاس لواقع يزداد تعقيدًا ولا يمكن التأثير فيه..؟

ظل الأدب جزءًا من أدوات التعبير والتغيير معًا وفي صلب التحولات التاريخية للمجتمع سواء كمتن من متون خطاب التحرر من الاستعمار أو كمضمون لخطاب التنمية والتطور للبلد بعد الاستقلال..
لذلك فإن التاريخ الثقافي يزخر بأسماء المثقفين والأدباء والشعراء الذين كانوا أوفياء للحظة السياسية ولآمال شعبهم وأكثر من ذلك انخرطوا في معركة الاستنارة وبث القيم الشعورية والتعبيرية والفكرية في منجزهم الأدبي..
التغيير هنا يأخذ طابعًا مشبعًا بمشروع المجتمع وأهدافه في التطور والكرامة والحياة..
هناك اليوم ما أسميته في سؤالك بالواقع المعقد وتحديات العولمة وتهديدات الحروب والنزاعات..
لكن الأدب روح وبلاغة ومعنى يخاطب الإنسان وينتصر لإنسانيته بالنهاية.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.