المسؤولون بين الكراسي والشعارات: واقع مظلم خلف بريق الصور..

منير نافع/

في عالم السياسة، يظهر بين الفينة والأخرى جيل من المسؤولين الذين يرون في المناصب فرصة لتحقيق المكاسب الشخصية، دون النظر إلى ما يتطلبه المنصب من واجبات تجاه المجتمع. اليوم، نشهد ظاهرة مقلقة في بعض المؤسسات الحكومية، حيث يكتفي بعض المسؤولين بالتمسك بكراسيهم وإطلاق الشعارات البراقة، بينما الواقع يظل على حاله دون أي تحسن يذكر. إن هذا التوجه لا يهدد فقط ثقة المواطنين في الحكومة، بل يضرب في الصميم روح التنمية والتقدم.

الشعارات البراقة: “كلام الليل يمحوه النهار”

مع كل خطاب رسمي أو ظهور إعلامي، يتفنن بعض المسؤولين في سرد قائمة من الوعود والشعارات. “محاربة الفساد”، “تعزيز الشفافية”، “تحقيق التنمية الشاملة”… كلها شعارات تجدها حاضرة بقوة في كل مناسبة. لكن هذه العبارات، التي يروج لها الإعلام، تبقى مجرد كلمات فارغة لا ترى النور على أرض الواقع.

المواطن البسيط يتابع هذه التصريحات بعيون الأمل، لكنه يواجه الحقيقة الصادمة عندما يجد أن الحال لا يتغير، بل ربما يزداد سوءًا. إن هذه الشعارات التي تملأ الفضاء الإعلامي لا تمثل سوى ستارًا يغطي على فشل في الإدارة وسوء تدبير لا يمكن التغاضي عنه.

“التمسك بالكراسي: حلم السلطة المطلقة”

المشكلة الحقيقية التي تواجهها بعض الأنظمة الإدارية هي تمسك المسؤولين بكراسيهم بشكل يفوق التصور. المنصب بالنسبة لهؤلاء ليس مجرد وسيلة لخدمة الوطن، بل هو غاية في حد ذاته. يتشبثون به وكأنه حق مكتسب لا يمكن التنازل عنه، حتى وإن كان ذلك على حساب مصلحة المواطنين.

هذا التمسك بالمناصب يؤدي إلى نتائج كارثية، حيث تتعطل عجلة التغيير وتغيب الإصلاحات الحقيقية. المشاريع تتأجل، القرارات تتباطأ، والمواطنون هم الذين يدفعون الثمن. في كثير من الأحيان، يتم تغليب المصالح الشخصية والتحالفات السياسية على المصلحة العامة، مما يعمق من أزمة الثقة بين الشعب والسلطة.

“الإعلام كأداة للتلميع: “صورة تساوي ألف كذبة”

أصبح الإعلام في بعض الأحيان شريكًا في هذه اللعبة السياسية القذرة. المسؤولون الذين لا يحققون شيئًا على أرض الواقع، يعتمدون على الإعلام لتلميع صورهم. تظهر في وسائل الإعلام صورهم وهم يفتتحون مشاريع ضخمة، ويلقون خطبًا حماسية، ولكن في الحقيقة هذه الصور لا تعكس إلا القشور.

المشاريع التي يتم الإعلان عنها بضجة كبيرة في الإعلام غالبًا ما تبقى مجرد حبر على ورق. المواطن يرى الصور ويصدق أن هناك إنجازات تتحقق، ولكن الواقع يثبت أن هذه الصور لا تتعدى كونها وسيلة لإقناعه بأن الأمور تسير على ما يرام، بينما الحقيقة هي عكس ذلك تمامًا.

“غياب المحاسبة: الحماية من العواقب”

إذا لم يكن هناك نظام للمحاسبة الصارمة، فإن الفساد والترهل في الإدارة يصبحان القاعدة وليس الاستثناء. بعض المسؤولين يستغلون غياب المحاسبة ليستمروا في نهجهم البعيد كل البعد عن خدمة المواطنين. يتصرفون وكأنهم في مأمن من أي عقوبة، وهذا ما يشجعهم على الاستمرار في إطلاق الشعارات وتلميع الصور دون أي إنجاز حقيقي.

إن غياب المحاسبة يمثل جرحًا نازفًا في جسد المؤسسات الحكومية. فالمسؤول الذي يعرف أنه لن يُحاسب على فشله أو تقصيره، سيظل على حاله دون تغيير، متجاهلاً مصلحة الشعب الذي يُفترض أن يخدمه.

“الخاتمة: “متى ينتهي عصر الشعارات؟”

المسؤولية ليست مجرد لقب أو منصب يمكن التمسك به لتحقيق مكاسب شخصية، بل هي أمانة تتطلب العمل الجاد لخدمة الشعب وتحقيق التنمية الحقيقية. إن الوضع الحالي، حيث يتشبث بعض المسؤولين بمناصبهم ويكتفون بإطلاق الشعارات دون إنجازات، يمثل خطرًا حقيقيًا على مستقبل البلاد.

حان الوقت لوضع حد لهذه الظاهرة التي تعطل مسيرة التقدم. يجب أن تكون هناك محاسبة حقيقية، ويجب أن يُدرك كل مسؤول أن المنصب الذي يشغله ليس حقًا مكتسبًا، بل هو تكليف لخدمة الناس وتحقيق مصالحهم. إذا استمر الحال على ما هو عليه، فإن الشعارات ستبقى مجرد كلمات، والكراسي ستظل مشغولة بأشخاص لا يسعون إلا للحفاظ على مكاسبهم الشخصية، على حساب مستقبل الوطن.

“البيروقراطية وتدوير الكراسي: دائرة مغلقة لا مخرج منها”

في واقعنا الحالي، أصبحت البيروقراطية في بعض المؤسسات الحكومية أداة لتعطيل التغيير وعرقلة الإصلاحات. بدلاً من أن تكون هذه المؤسسات أداة فعالة لتحقيق التنمية، تحولت إلى هياكل جامدة تكرس نفس الوجوه القديمة التي تتنقل من منصب إلى آخر دون أي تجديد أو تحسين يُذكر. هذه الظاهرة تُعرف بتدوير الكراسي، حيث ينتقل المسؤول من موقع لآخر دون مراعاة مدى ملاءمته لهذا المنصب الجديد أو قدرته على تحقيق الأهداف المطلوبة.

إن تدوير الكراسي لا يعدو كونه وسيلة للحفاظ على الامتيازات التي يتمتع بها هؤلاء المسؤولون. فما أن يفشل أحدهم في إدارة قطاع معين حتى يتم نقله إلى قطاع آخر، وكأن الفشل لا يُحسب. وهكذا تستمر الدائرة المغلقة، حيث تتكرر نفس الأخطاء دون أن يكون هناك أي تغيير حقيقي. المواطن هو الوحيد الذي يعاني من تبعات هذه السياسات، حيث تتراكم المشكلات وتتزايد الأزمات دون أي حلول في الأفق.

“السياسات الفارغة: تخدير الشعب بالشعارات”

تتحول السياسات في ظل هذه الأجواء إلى مجرد أدوات لتخدير الشعب وإيهامه بأن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح. يتقن المسؤولون فن إطلاق المبادرات والمشاريع التي تكون غالبًا بلا جدوى حقيقية، وتُعرض كإنجازات كبيرة تبرر استمرارهم في مناصبهم. هذه المبادرات، التي قد تبدو واعدة على الورق، لا تُنفذ فعليًا على أرض الواقع، أو تنفذ بشكل سيء لا يحقق الأهداف المرجوة.

بدلاً من مواجهة التحديات الحقيقية التي تواجه البلاد، يلجأ هؤلاء المسؤولون إلى سياسات ترقيعية لا تسمن ولا تغني من جوع. يكتفون بإطلاق مشاريع صغيرة، أو حتى وهمية، تهدف فقط إلى كسب الوقت وإظهار أنهم يقومون بشيء ما، بينما يظل الجوهر بعيدًا عن أي إصلاح حقيقي.

“النداءات الشعبية: صرخة من أجل التغيير”

في ظل هذا الواقع المظلم، بدأت تبرز أصوات شعبية تنادي بالتغيير الحقيقي. المواطنون، الذين سئموا من الوعود الكاذبة والشعارات الفارغة، يطالبون بمحاسبة المسؤولين الذين تسببوا في تدهور الأوضاع. هذه الأصوات تعكس رغبة عميقة في رؤية وجوه جديدة تحمل رؤية حقيقية للتنمية، وجاهزة لتحمل المسؤولية بكل صدق وجدية.

النداءات الشعبية لم تعد مجرد أصوات متناثرة هنا وهناك، بل تحولت إلى حراك واسع يطالب بإصلاحات جذرية تشمل كل جوانب الحياة السياسية والإدارية. يتطلع الشعب إلى قادة يتسمون بالشفافية والصدق، قادرين على اتخاذ القرارات الصعبة ووضع البلاد على طريق التنمية المستدامة.

“الرهان على المستقبل: مسؤولية جيل جديد”

إذا كان هناك أمل في التغيير، فإنه يكمن في الرهان على جيل جديد من المسؤولين الذين يحملون في طياتهم طموحًا حقيقيًا لخدمة الوطن. هؤلاء القادة الجدد، الذين تربوا على قيم النزاهة والشفافية، هم الأمل في إخراج البلاد من دوامة الشعارات الفارغة والكراسي التي لا تعطي سوى صور مضللة.

المستقبل يتطلب قيادة جريئة قادرة على كسر الحلقة المفرغة التي تعيشها المؤسسات الحكومية. إن تحقيق هذا الهدف يستلزم من الجميع، سواء من المواطنين أو من المؤسسات الرقابية، التكاتف من أجل فرض تغيير حقيقي. التغيير لن يأتي من فراغ، بل يتطلب إرادة قوية وحقيقية لضمان أن تذهب المناصب لمن يستحقها فعلاً، لا لمن يبحث عن مجد شخصي أو مكاسب آنية.

“خاتمة: طريق الأمل يبدأ بالمحاسبة”

إن طريق الإصلاح يبدأ من محاسبة المسؤولين الذين خانوا ثقة الشعب وأهدروا فرص التنمية. المحاسبة ليست مجرد كلمة تقال، بل هي فعل يجب أن يطبق على أرض الواقع. عندما يدرك كل مسؤول أن الشعب يراقب وأن المحاسبة قادمة لا محالة، ستتغير الأمور وستتحسن الأوضاع.

لن يكون هناك إصلاح حقيقي ما لم يتم التخلص من الكراسي الفارغة والشعارات الزائفة. نحن بحاجة إلى مسؤولين يحملون في قلوبهم حب الوطن والرغبة في خدمته، لا من يرون في المناصب وسيلة لتحقيق مصالحهم الشخصية. إن المستقبل ينادي بأصوات جديدة تحمل راية التغيير، وتبني وطنًا يستحقه الجميع، وطنًا لا تُدار فيه الأمور بالشعارات والصور، بل بالعمل الجاد والإنجازات الحقيقية.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.