قراءة للأستاذة سعاد البازي في التجربة الكتابية للشاعرة مجيدة الفلاحي

بقلم الأستاذة: سعاد بازي/

إنها ليست المرة الأولى التي أقترب فيها من مضامين التجربة الكتابية للشاعرة مجيدة الفلاحي ، وتفكيك كتلة قصيدها ، للوقوف على تشكيلاتها لمعرفة وكشف ما يظهر منها وما يخفى ، كان العنوان هو الشهقة الأولى التي اطلقها غلاف الديوان


العنوان” عييت مني ” جاء كنفس حار نفثته الشاعرة وخاطبت به ذاتها الداخلية ، أو جاء كرغوة زبد مع موجة غامرت بأذرعها إلى شاطىء مفتوح
ثم عند الولوج إلى المحتوى
وجدت مساحات فنية وحسية كسرت النمطية سأعود لها بعد أن أقول أن أصابع مجيدة أورقت وأعطتنا بتلات في هذا الديوان الزجلي الذي جذبتني نصوصه كالمغناطيس لأنه يحمل أمزجة مختلفة يرتفع فيها منسوب البوح وينخفض , اشتغلت فيه شاعرتنا على توازن القوام النسقي والمحافظة على المعطيات المتداولة مع إضافة مجسات لغوية ومحسنات صورية وانثيالات حسية فكان النتاج معبرا عن الإتجاه النوعي الذي يتواءم مع الموارد الذاتية والشحنات المجتمعية المحيطة بنا
وذلك كما ورد بصفحتي 76/77. نص شوية من بزاف
،نفوس قاسية حلفت ما تلين
طحت ووقفت راجعت الحساب
جمعت اللي بقى مني /

في هذا المنجز الذي بين يدي تموضعات كثيرة منطلقة في فضاءات بنائية متجددة الرؤى مفتوحة على مساحات عديدة مؤثثة الصور المنبثقة من الواقع ، فهو دفق شعري مثمر فيه تساؤل وفيه استغراب من سرعة مرور العمر وانسيابه السريع ب ص 38,39 حيث تقول شاعرتنا ,:
كي درت كبرت أنا ؟
واش زعما كبرت بصاح ولا غ خرايف النوامر ؟
فعلا الأرقام تتصاعد ونحن لا زلنا نستعرض حكايا طفولتنا التي تسكننا
ولم يطلها الزمن بتغيراته
هكذا نتابع مع مجيدة الفلاحي الطريقة الجمالية والإدراكية الخصبة التي بها الكثير من معالم الدهشة وكأننا أمام لوحة مرسومة
نقرأ النص ونتخيل ألعابنا وعوالمنا الطفولية الآسرة وبهذا يكون من الواضح ان هذه الباقة تدل على امتلاك شاعرتنا مخزونا وافرا مشفوعا بنضج كمي وكيفي وصلت به إلى ثلاثية :
الإدهاش والمنفعة والمتعة

علينا أن نومن إذن أن جدلية الإبداع الأدبي هي نتاج تراكمات الخبرة ، وأن الشاعر أو الكاتب مهما كان مجددا ومتجددا فهو امتداد لتجليات خبرته في تدفقها وتنوعها ، وغالبا لا ننفصل عن تراثنا فنحن نتماهى فيه ومعه
وهذا ما لاحظت في هذه الباقة التي بين يدي ، فهي باقة لها مرجعية معينة ، خالية من التمويل اللفظي وتأثيث المشهد الشعري بزوائد للمزيد من الجذب
نصوص عييت مني مكتوبة بأسلوب تعمدت الماجدة أن تبسطه لتتيح للقراء الولوج إلى عمقه ، بدل اعتماد كلمات صعبة تشتت الانتباه وتجعل القارىء أحيانا يبحث في القواميس مما يضاعف العبء المعرفي على المتلقي فيختار أحيانا العزوف عن القراءة في حين أن هدفنا هو اكتساب المزيد من القراء
يقول همنغواي :الجيد هو أن تكتب على الورق ما تراه وما تشعر به بأبسط طريقة )
ص 60 ( وخا منك بعيدة )
هكذا أؤكد على أن مجيدة الفلاحي متجردة من سلطة النموذج كتبت بتلقائية في ” عييت مني ” كما يوحي بذلك العنوان ، استعملت مفردات من عمق الغرب المغربي الذي نهلت منه ومن واقعه الثقافي والإجتماعي
كما أنني بدوري عايشت أهله التلقائيين وراكمت من يومياتهم كما معرفيا لا يستهان به ، الشيء الذي جعلني ألامس عن قرب وعمق جوانب النصوص
أحببت هنا نصا غزليا رقيقا يجمع بين الخيال واليقين والمغامرة من ص 82 إلى 92 ثم يليه نص مفعم بالوهج العاطفي والزخم الرومانسي الجميل على شكل حوار مضامينه قوية الشاعرية جيدة السبك بكلمات وكأن الماجدة تغرس شتائل ورد في جنائن خصبة
عرجت على نص لغزة لأجد أن لفلسطين أيضا نصيب هنا كيف لا وهي قضية بارزة على جبين الصمود
وقد اختلطت مشاعرنا تجاه القضية بين رعب وحيرة وبدا لنا جليا أن كل القيم التي ناضلنا لأجلها كالعدل والحرية والمساواة وحقوق الإنسان والطفل مجرد شعارات فارغة

قراءتي هاته كانت غوصا خرجت منه بدرر ، وقد كان المبتغى هو السعي لتقديم تفسير متوازن لكل نص وأخذت في الإعتبار بنية النص ومقاصده ومراميه الممكنة ، كما حرصت على الإنفتاح على بعض النصوص للوصول إلى تعدد معانيها المحتملة من خلال سياقها الأصلي
مع العلم أن هناك قراءات نقدية قد تكون لها تصورات أحرى وإضافات مغايرة ،إذ يبقى النقد مجرد عملية تحليل وتفسير وتقييم ومحاولة فهم ، أو لربما هو الإنطباع الذي نخرج منه بعد قراءة متأنية لعمل أو مجهود أدبي معين
ختاما
أرى أن الماجدة أخذت على عاتقها تجديد الرؤى المفتوحة على مساحات عديدة فهي قادرة على تأثيث صورها المنبثقة من الواقع
ولا شك أنها ستغني تجاربها بالتعدد ، فهي بطبعها تبتعد عن الكم التراكمي الذي يفتقر للتطوير والتجديد .
متمنية لها النجاح المضطرد الذي يليق بطموحها

الشاعرة مجيدة الفلاحي 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.