حزب الإستقلال: من فاعل إلى مفعول به
نجية العلوي-
منذ الخروج الإضطراري لحزب الإستقلال من فضاء أغلبية حكومة بنكيران إلى ركن المعارضة وعجلاته تفقد ضغطها وقوتها مع توالي الأيام، منذ الإطاحة بشباط واستقدام نزار بركة على طبق من فضة للجلوس أمينا عاما على رأس حزب الإستقلال، ظن الجميع بأن مشاكل الحزب ستنتهي وبأن عصر ثانيا للأنوار سينطلق، وبأن عهد الإستحقاق والكفاءات في مناصب المسؤولية سيكون هو المعيار الوحيد والأوحد…لكن دار لقمان بقيت على حالها إن لم نقل قد ساءت أحوالها.
فرغم تبوء الحزب المرتبة الثالثة على الصعيد الوطني ودخوله في تحالف حكومي ثلاثي، توقع الجميع بأن يتفاوض أمينه العام من موقع قوة، إلا أن النتائج جاءت مخيبة للآمال وعاصفة بطموحات مشروعة من أجل تغيير تدبير سيئ لحكومتين متعاقبتين أكلتا الأخضر واليابس. فرضي حزب الإستقلال بالفتات وقبل بوزارات “هشة بشة كشة”، لاتتناسب ونتائجه. وعوض ترشيح الكفاءات وتطبيق المناصفة وتنزيل مبدأ التدرج في المسؤوليات ، كان لأولي الأمر رأي مختلف ورؤية ضيقة.
انهالت الكوارث على رأس المغاربة من سوء التدبير الحكومي ولزم حزب الاستقلال الصمت، تجرع المواطنون مرارة البؤس واكتووا بارتفاع الأسعار وغلاء كل شيء، فدس حزب الإستقلال رأسه في التراب وكأن الأمر لايعنيه.
تفجرت الفضائح في البرلمان، وكثر الهمز واللمز والغمز، واختلط الحابل بالنابل، فما عدنا ندري الصالح من الطالح، كل هذا وحزب عريق غارق في الصمت واللامبالاة من رأسه حتى أخمص قدميه.
وجاءت الطامة الكبرى، وجاء الدور على حزب الإستقلال ليأخذ حقه من الفضائح كما أخذها من وزيعة اقتسام كعكة التعيين في المناصب السامية والوزارية. “والفقيه اللي كنا نتسناو بركتو دخل للجامع ببلغتو”. هذا عطى عبيدات ورجعنا لعصر الجواري والإماء؛ وذاك دنس عرض المتزوجات واستعرض فحولته وغزواته الجنسية على رؤوس الأشهاد. هذا غلط فهاد الغرفة وذاك طاح فالغرفة المقابلة.
من يفترض فيه إعطاء المثل في السلوك والأقوال والأفعال، تسرب له تسجيل صوتي فاضح بجميع المقاييس، من كان يقود الفريق في البرلمان، نزل إلى الدرك الأسفل في القدوة والأخلاق. فطعن في شرف المرأة المغربية عموما وفي شرف زميلته في الحزب ودنس وجهه في التراب. وكان حتما ولزوما أن يتدخل الحكماء وتتضامن النساء مع المرأة وهذا ماكان.
تحلت رئيسة منظمة المرأة الإستقلالية بشجاعة افتقدها الرجال، فأخرجت بيانا فيه انتصار للضحية وانتظار للحكم القطعي للقضاء ورفض وتنديد بالظلم والتشهير بالمرأة والطعن في شرفها، وتذكير بوجوب الإنصاف والمناصفة وإعادة الإعتبار للكفاءة والتدرج في المسؤوليات عند كل استوزار أو تحمل للمناصب العليا.
وما إن خرج البيان، حتى خرج المارد من قمقمه، فأطلق زبانيته وكتائبه وصبيانه لينهشوا لحم من تجرأت على قول كلمة الحق ووقفت في وجه الجبروت والطغيان، فأصبحت الخراف والنعاج تتحدث، وحتى الذين لم يحصلوا سوى على أصواتهم في نتائج الإنتخابات الأخيرة في قلب أحيائهم ، وانبرى بعض متسولي عضوية المجلس الوطني ولاعقي أحذية الأسياد طمعا في منصب هنا أو إلحاق هناك، أو انتقال بملف مرضي إلى شحذ ألسنتهم وتلبية نداء زعيمهم الذي نزل من القمة إلى الحضيض، شعارهم :” كلنا مول الفعلة…بالروح بالدم نفديك يا زعيم”.
لكن والحق يقال، أتبثت النساء والرجال في حزب الإستقلال بأن ضمير الأمة لازال فيه صحوة، فتقاطرت حملات التضامن العلني مع من تجرأت على قول الحق وإنصاف المظلوم، وضاقت الأرض بما رحبت على من تعدى وتجبر وأصبحت فضيحته على رؤوس الأشهاد في انتظار كلمة الفصل من القضاء.
لقد آن الآوان لتنقية حزب الإستقلال وباقي الأحزاب من الشوائب. لقد ولى زمن الأصنام الديناصورات، وربما هي فرصة من ذهب لإسقاط من يتقلون البرلمان بالكوارث والمصائب ويلطخون سمعته في الوحل.
الفرصة مواتية أمام حزب الإستقلال وهو على بعد بضعة أسابيع من مؤتمره الثامن عشر للقطع مع الفساد والمفسدين والإطاحة بكل من شوه صورته في الداخل والخارج. أعطوا الفرصة للرجال الأحرار وللنساء والشباب على أرضية الكفاءة والإستحقاق.
فهل يفعلها حزب الإستقلال فيجدد بذلك دماءه ويتحول إلى فاعل حقيقي في الميدان؛ أم يأتراه استحلى واستمتع في دور المفعول به؟
ذلك ما سيجيبنا عنه القادم من الأيام.