“مُطَـارَدة ” قصيدة للشاعرة : سُمَية أيت زهرا
صحيحٌ أن الأرض دائرية
في جُعبة النواة،
ظلال فراشات..
توظِّبُ ذخيرَة
ملاذِها الأخير.
أعياها صفقُ الريح
لمْلمَت ظلالها
و همَّت بالرحيل.
أثَرُ أقدامٍ
تلاطِف الثرى
بقُبل تغني
على معزوفة “بيتهوڤن”،
هولاسَ نبضٍ
مشبع بالرجيف.
الخوفُ نحلة ترقص على خصلات حمراء، في قبو شقائق النعمان.
تهدد الموت الحياة
في المعزوفة
حقل ألغام.
الحربُ تعيدُ “هاديس” إلى الوجود.
يُداهِمُ الأرضَ العذراء؛
إشباعًا لنزوةٍ عابرة.
الكوكبُ المسجُور يغْلِي.
شهابُ بُركَانٍ يحمِلُ أمنية!
كمشةُ هاديس تغفِقُ الحياةَ
في وَسَن سَرمَدِيّ..
هاديس مركونٌ في الزاوية
ينشدُ أغنية..
الموتة الصغيرةُ
لم ترضع بالأمس
حليب الأم.
قبضة الرّدى
تأخذ العجايا..
تأخذ كل شيء
إلا هاديس.
الحربُ تغير فكرة أن الأرض دائرية.
الحرب تسكب الكينونة
في مضمار سباق.
أين يتجه الموت؟
.. إلى موكب عرس بلا مزمار!
.. إلى مفازات لا يسكنها غيرُ الموتى!
من هم الموتى؟!
صحيح أن الأرض دائرية.
في جُعبة النواة
لا يزال الموت مقيما هنا..
فوَّهة الجعبة يفتك بها الهلاك
يغادر الموت حينًا،
و حيناً يؤدي دور الملاك!
برُوكرسْت عَالِقٌ هُنا.
فِي السّيرْك
مُشَعْوِذٌ تُطَارِدُه نِساءُ البَلْدَة
لِجَلبِ حظّ
كَانَ لِيَكُونَ مِن نَصِيب شحّاد
يتسوّل بشِعرِه
مُستنطِقًا قمْل رأسِه، فَهُوَ الوحِيد
مَن يَشهَد وحْي قَصيدِه،
و يشاركه نَفس الحياه.
… برُوكرسْت بريءٌ من فِعلةِ النسَاء
برُوكرسْت بريءٌ من فِعلةِ النسَاء.
في السيرك ..
يتلاعب السحر بالساحر
في سبيل السحيقة.
لو أغمضنا الأعينَ
عن الحقيقة؛
كنا صدقنا
القمل الناطق
و أصابيع الدَّعسوقة.
السحر بلا موسيقى
مثل كفيف يرى الليل
و الليل يطرده الفجر،
بعد الفجر يتبدد السحر.
يقول السحر أن الأرض دائرية..
فكما يبتلع السحر الضحية
يُغفِق صاحبه في شرود أبدي.
صحيح أن الأرض دائرية
لكن! أحياناً
عندما نتورط في الحب،
تختفي النواة
في ذقن الومق
و تغدو كل القياسات افتراء..
الأصل مجرة قابعة في الأنسنة
مكبلة تحت هاجس الحشمة
ما كان الحب يوما هكذا مكبلا!!
مجبراً على الاختباء.
جينات العبق تتضاءل
العقم يردي الحب
و يأبى أن يتناسل..
يغفله حيوان منوي من العدم
كي يفرض ركلته على رحم السهب
و يتفاعل..
أ يُنجب فعلا الربى الأخضر
ينابيع الماء،
صفو اللج،
وكلمة أحبك من شفاه “آرتمس”
من تسبب بمقتل الومق؟
أنا أم أنت ؟
من تلذذ بتهجير البشارة إلى فلق ؟
غير مبال باليخت المهدد بالغرق
و لا بغبار شاطئ الغربة.
كم مرةٍ وقب الغسق
لم أنبس بكلمة حتى على ورق
قد شاكستني تفاصيل الأرق..
لاهٍ علي الوحيُ
ملاذي مذ قلبي لك خفق
ٱحترق.
في سبيل الشوق
اعتل الذوق
حمرة الشفق
عندما تشرئب على الغيوم..
تلك الشعلة
فضلت عنها آخر النفق..
و النجوم، أعني سنا عينيك
أنا الضرير، أجهضت خيباتي
و ٱحتفظت بالعبق.
صحيح أن الأرض دائرية
خطوة واحدة..
تجعلنا نفترق،
خطوة أخرى تشبهها تماماً
تجعلنا نلتقي..
بٱختصار،
نحن من يرصد فلك الميعاد
نحن من يشهد طقوس الابتعاد.
صحيح أن الأرض دائرية
لكن!
خطانا رانت أنواءً،
و ٱقتنعت مثلك بالابتعاد.
شباك العذابات
تحاوطه ملاقط غسيل
أحتاج مسحوقا
أكثر فعالية ..
لأتعرى منك
و أسحب من دمي عطرك
عطرك المتشظي
في الزابوقة
و حينا الشعبي.
صحيح أن الأرض دائرية..
لكن!
فقدت الحق في الدوران
طفقت أتسكع بإطلالة شاحبة،
قال الطريق لي:
“مدني بوجهتك أيها الهيمان”
الفراشة التي حطت على زهرة الأقحوان،
تكبس زر الطيران
و تحلق فوق رأسي..
“قل وجهتك!
أ أسحبك منك إلى العنان ؟!”
حنين الماضي يوسوس:
“قل عائد إلى الوطن
إلي.. بلا لف و لا دوران
الماضي أكبر رهان
و أنت أيها الهيمان
تعال..
تقتل ظمأك، تسجن خساراتك
وراء القضبان”
الغد يسحبني إلى الأمام
“قل سأهدم ما يفصلني عن الحلم
من جسور و جدران..
قل آت إلي..
العمر أمامك أيها الإنسان!
الونس دفين هنا
تعال.. “
اهازيج ريح تتغزل بي:
“الأرض ليست دائرية
تعال ننشد..
الأرض ليست دائرية “
لي طريق..
ذبحت فيه كعبي العالي
عندما أدمنت قدماي طرقا وعرة!
لي طريق..
قادني إليه حدسي ذات وجع
و كم من جوارب حرقت
كانت لتكون دفئ هذا الولع
أو أترك شيئا
يمنعني من التفكير بك!
صحيح أن الأرض دائرية
لكن!
فقدت خلخالي في رقصة غجرية
وسَقتِ الأنواء كلماتِ الأغنية.
فعدتُ..
تاركةً ظلي
الفراشة..
الحرب..
و قدميَّ
صحيح أن الأرض دائرية
لكن!
بعد رجوعي،
لم أجد الفراشةَ
و قدميَّ.
بقلم الشاعرة “سُمَية أيت زهرا”