وادي زم …. المدينة الصماء
وليد كاليش. وادي زم
….وأنت تجوب شوارها تحت شمس ساطعة وبين أزقتها المتهالكة ،ينتابك خوف شديد خاصة في فترة الظهيرة ،حيث السكون يجوب الدائرة بشكل مرعب … سكون يشعرك بالوحدة والكآبة وضيق في الصدر كأن عزرائيل سيسلب لك الروح…..
في مدينتي المنسيّة يصحو الإنسان على تحدّيات بسيطة، كمعنى ضوء الشمس على سريره، وجدوى انتظاره للردّ على إحدى الرسائل، يتابع أخبار السريع والمدرب ومساعده وهناك من هو ثائر بخصوص اغلاق الملعب ….. وأخبار رئيس المجلس الجماعي ….. ويلقي نظرة خاطفة على أخبار السياسة العالقة.. متناسيا ما يجب فعله من أجل عيش كريم له ولأبنائه…..
عندما تقضي أربعًا وعشرين ساعة في مدينة صماء بئيسة، فإنك تحلم أحلامًا عملاقة أشبه بالأساطير، عصيّة على التحقيق، لأنّ خيط الواقع والوهم قد التحما… وأحيانًا تصاب بانسلاخ حادّ، وتصير أحلامك مثل حلم طائر نورس بسيط في أن يعود إلى مأمنه قبل رحيل الدفء عن الأرض. وما بين قطبي الأحلام هذين، يتراوح القلب ويتعذّب، ولا يستقرّ أبدًا، ويصير الزمن مؤجّلًا بعض الشيء، لأنّ الظروف غير ملائمة لتحقيق ما نريد، والجميع يعزّونك بتجاربهم التي لا تختلف جوهريًّا عن تجربتك؛ فالجميع قد حصل على مؤونته السنويّة من مخدّر الانتظار، وها هو ينتظر….
مدينتي المنسيّة قد تحمل عبء القضايا أيضًا، كالمجنون الذي استمرّ بالركض دون أن يدرك إلى أين المفر (البحر امامكم والعدو من ورائكم ) وقد تسقط وتنهض دون يد ألف مرّة… وهي أيضًا تقاتل ولا تلقي بنفسها تحت عجلات قطار العالم الذي نسيها ليسحقها. المدينة الصماء التي تسكن وطنًا عظيمًا لن تصنع من يأسها سوى بساط عملاق ستخطو فوقه أقدام أهلها نحو حرّيّتهم، وهم يبتسمون لأغنية بسيطة، فتحطّ على أكتافهم فراشات التعب حينذاك.
كيف ولا تسمى بالمدينة الصماء المنسية وهي تكتنز بباطنها ثروات تقدر بالملايير وسكانها يتخبطون في الفقر والحرمان…..