الأديب والناقد حسن بوسلام: قراءة لقصيدة عروضية: لي ثورتي.. للشاعر التونسي شكري مسعي: شعرية الألم بين التأسيس والتحسيس

حسن بوسلام

 

 1/ تأسيس المتعة وشعرية الامتاع.

كل قراءة هي اما مجاورة للنص متصالحة معه ،أو متصادمة معه تحاول أن تملأ فراغاته محاولة الكشف عن الاستمتاع المختفي وراء هندسية بنائه ،الاولى مداهنة عابرة مسالك اللغة في بنائها الأول دون البحث عن اللغة الثانية التي ترشح متعة ،الثانية متفاعلة تهدم بناء النص وتخترق حرمته كي تداعب عفته وتكشف هويته ،،وانا في اختياري أروم إلى المسلك الثاني الذي اعتبره مدخلا اساسيا للوصول إلى الاستمتاع الذي هو نتيجة حتمية للعملية الامتاع الذي تركه النص أثرا دالا على غواية القراءة ،،، السؤال المطروح لماذا قدم لي هذا النص صكوك العرفان كي يدفعني دون سبق اصرار ،الى الحفر عن مستويات التحسيس والتي هي من شروط فعل الامتاع ؟

الجواب هو عبارة عن توضيح لبعض المفاهيم التي امنت بتوظيفها في سياقات أخرى، والتي يتوفر عليها هذا النص العروضي للشاعر العزيز الأخ شكري مسعي.

 في نظري لا يمكن لأي قارئ أن يساهم في إنتاج نص ثان مكشوف وكاشف دون المرور من القراءة الأولى المباغتة، هذا المرور يكون فاحصا لعملية التأسيس والتي يقوم بها الشاعر مستحضرا معه عدة الامتاع، لأنه في غياب عناصر المتعة في النص والتي تفرز مقدمات الادهاش، لا يمكن للقارئ أن يتفاعل مع النص تفاعلا ايجابيا، لقد سبق لي أن ميزت بين ثلاثة مستويات من القراءة:

 1/قراءة منفعلة ،،تنتهي بانتهاء القراءة الأولى ،لأنها تفتقد لشروط الاقراء العلمية والمنهجية او لأن للنص يفتقد لمكونات المتعة.

. 2/قراءة متفاعلة ،،فيها يحاور النص القارئ المفترض وهذا الأخير يحاوره بمستوى عدته المعرفية والذوقية.

. 3/قراءة فاعلة أي مشاركة في إنتاج سبل الاستمتاع والتي هي ماقصادية الشاعر صاحب النص.

كما هو مشار إليه سابقاً أنا اخترت المستوى الثاني التفاعلي كي أترك للنص مساحات أخرى للقراءة.

 إذن عملية التأسيس مهمة، وهي تشكل قلقا كبيرا لدى الشاعر لأنها تحسم في مصيره وتبني هويته، فيعمل الشاعر على خلق عالمه الشعري معتمدا على مرجعيات عدة منها المعرفي الثقافي، منها الاجتماعي الانساني منها الشعري العام وأخيرا منها البلاغي والعروضي والنحوي واللغوي.

هذآ التأسيس «اي تأسيس المتعة» هو مقدمة لتحقيق التحسيس عن طريق الامتاع الذي هو فعل ينتقل من النص الى القارئ ومن القارئ إلى النص العملية الأولى هي هدم لصرحه المتعوي والثانية هي بناء لقواعد الاستمتاع، فالتحسيس هو ثقافة ذوقية ادهاشية تحرك فاعلية الذوق الشعري وتفتح آفاق القراءة. أردت من هاته المقدمة أن أبين مستويات القراءة وكيف أن النص الشعري يمكنه أن ينفلت من قبضة الشاعر ويزيغ عن طريق المعنى ويوهم الواقع أنه انعكاس ٱلي له، أكثر من ذلك فهو يجعل من القارئ الحصيف عنصرا بلاغيا حاضرا في تشكيل الصورة وبناء المتعة.

 

 

/.2 العنونة واحالاتها الدلالية أخي شكري مسعي ،هو شاعر عروضي (يكتب القصيدة البحورية)وهو دائم التجديد والتجدد في أدواته الشعرية ،وهذا النص ينطبق عليه ما قلناه سابقاً ،لذا جعلته محرابي لصلاة الامتاع ،ورغبتي في الكشف عن زوايا المتعة ما استطعت إلى ذلك سبيلا ،وساقف أولا عند العنوان لأنه يعتبر عتبة نصية أساسية تجذبك إلى مداخل النص ،كما أكد على ذلك منظر العتبات الباحث الفرنسي جيرار جينيت ، قصيدة في بحر البسيط على مستوى البناء الايقاعي الخارجي لكنها مركبة ومعقدة على مستوى الايقاع الداخلي ،جعل من الخبن مطية زحافه ليجعل من القافية (وهي الحرف المتحرك بعد الحرف الثاني الساكن)تنساب بسهولة تختال بين هرمية اللغة لتزيد متعة في الجرس الموسيقي ،،، العنوان يتكون من تركيب بسيط: اللام حرف جر ،متصل بضمير المتكلم ليكونا شبه جملة هي خبر متقدم ،،يليها تركيب إضافي: ثورة زائد ياء المتكلم وهي إضافة معنوية تفيد التعريف ،،وكما نلاحظ أن هذا التركيب ليس فيه انزياح ،واضح المعنى على مستوى البنية السطحية لكن كلما اقتربنا من البنية العميقة الا وظهرت خبايا دلالية لها ارتباط قوي بما سياتي في النص. لي ثورتي ،،،هنا حضور ياء المتكلم للاقرار بملكية وتملكية الشيء ،لم يقل الشاعر لي ثورة ،ليتركها نكرة بل قال ثورتي لتكون لها هوية واساس وجودي مرتبطان بالذات ولهما أثر خارجي في المجتمع ،،الثورة هي رد فعل ايحابي على شيء غير مقبول ،وعلى وضع مرفوض ،هي رغبة في التخلص من حالة ذاتية أو موضوعية ،،،، لي ثورتي بمعنى لي شكل ثورة خاص بي ،هي توصيف لحالة رفض ستكون جراء وضع قائم سنلاحظه عندما ندخل إلى النصف لنكتشف اسراره، فلي ثورتي لا تعني ان الشاعر ثائر او على اهبة الثورة ،لكنه يؤكد على انه من حقه أن تكون له ثورة ،لكن شكل هاته الثورة غير واضح ،ربما النص سيجيب على هاته التخمينات التي وضعها الشاعر وجعلنا في حيرة من امر القراءة.

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.