” لا تبحث عني …” قصيدة للشاعرة حنان الفرون

 

لا تبحث عني …
فأنا تلك الشرسة التي كانت تقتات من كبد صبرها لتعانق طيفك العابث بروحها العذراء،تلك التي اختلت رجّات قلبها عند كل لقاء فيثور نبضها و يتسمرُ الدمع في بؤرة الأحداق …
كانت عندما يغتالها الحنين تحقن وريدها بملامح وجهك ..
تبتلع أعاصير الغيرة اللاسعة قسرا حتى لا تسيل عبرات المدى ،فيتناسل حزنها على أرصفة الغربة الماجنة
أنا تلك التي مزّقت أطراف جلدها لتحميك من ضراوة المواجع و بطش الفواجع ..
تلك التي تدثرت برِداء العري لتقف في مهب الريح
تُشاكس العاصفة،لتحتلك طوعا …
تلك التي خاتلت السحاب حتى ترتدى دياجر الليل
و تحجب الأعاصير عن قلبك الشريد …
تلك التي تنكرت للنهار و كست عظامها حروف قصيدها
لم ترتجف قط أمام بوح قلمها و هي تبثك لواجعها حتى لو تصبب ثورة و خجلا.
اقتحمت سراديب المتاهات بكل ما أُوتيتْ من قوة و تصدت لأهوال الهواجس التي كنتَ تدسها في وسادتها كل ليلة فلا يُسمع لها سوى نحيب ليل بارد و حشرجة خفافيش أوهام لئيمة مُستلقية على فراشها الرمادي المُضمخ بالموت…
تلك التي من فرطِ تعبها رمت بجسدها المُتعب تحت ظلال نخلة جوفاء،حسبتها مأمنا لها في الأيام العجاف، بيد أنها لم تكن إلا كمينا زائفاً تودّدَ لتعبها فصدّقَته….
أنا تلك التي عانقت حضن التلال و ابتلعت الهجيع الذي جلفت كل أطرافه حتى لا يحل الصباح و لا يُشرق على نغمات صوتك الدافئ
لا تبحث عني …أو ابحث إن شئت…
ربما وجدت شظايا مني بين رُكام وعود وِداد كسيحة مدججة بالعتمة و التخلي أو تحت طيات فجر خانته الأجرام ،أو ربما بين شقوق ابتسامة اغتصبها غيابك الفجائي أو تحت طأطأة رأس توحي بالقناعة و الرضا و هي تصهل بالنفي و النفور ….
أو ربما تجد خصلات قصائدي تحت أنقاض محطات وقفت عندها حافية الروح و انتظرت عبثا دهراً وراء دهرٍ ….
لا تبحث عني …
فأنا تلك التي اغتُصبت براءتها بفعل فاعل و كان القدر شاهد عيان ..
تباًّ ….
تبّا للحظات إشراق تسللت من جُب العتمة على حين غرة
فحجبت عني وميض الأحلام المُترهلة ..
لا تبحثوا عني…
فقد أضعت هويتي طوعا حتى لا أتذكر من أنت و من أين أتيت ، أو بالأحرى ماذا صرت في غيابي …
كل الإرب توارت خلف غياهب النسيان زينتُ بها رقعة السماء ،وضعت قناديل من فتات أمسي اللقيط الذي تلفظ آخر أنفاس الإشعاع .
لا تبحث عني أيها الغريب الملتصق بجلدي لا جدوى من نواح أخرس يتردد صداه في جوفي ،يقتحم قلعة سكوني يغتال حراس ليلي…
لا تبحث عني، فكل ذكرياتنا ظلت عالقة بسرة الأرض الجائعة.

حنان الفرون/ بلجيكا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.