الشاعر الحَسَن الگامَح : صاعِدًا إلى الْخُلَواتِ يُحاورُ الذَّاتَ
تُحاوِرُني الذَّاتُ
وأنا الصَّاعِدُ مِنْ تيْهِ الذَّاتِ
إلى سَماواتِ الْخُلْدِ أقْتَفِي نورَ القَصيدهْ
وقدْ تَجَلَّى لي في البعيدِ
لمَّا أُحاوٍرُ الذَّاتَ فِي لَيْلَةِ القَبْضِ
عَلى الأحاسيس والرُّؤى الْجَديدهْ:
كيْفَ لي أنْ أغوصَ فِي بَحْر اللَّيالي
عاريًّا مِمَّا يُحيطُ بي منْ نجماتٍ
فِي السَّماوات العالِياتِ؟
لا أملكُ إلا حَرْفًا بي يَرْتقي
وجَعًا يُعانِقُ البَدْرَ العالي
وَيَمْشي خَلْفهُ ليالٍ
لا يَخْشَى وَحْدَةَ النَّائِياتِ
بيْنَ الغَماماتِ التَّائِهاتِ
والنَّجْمات البَعيداتِ
والهاوياتُ ظُلماتٌ يَعْلوها ظُلْمُ الغِياباتِ
كيْفَ لي أنْ أنامَ عَلى ضَوْء الماءِ
عاريًّا بيْنَ ثَلْج نارٍ
أقْبِضُ في صمْتٍ بِكِلْتا يَدَيَّ
عَلى المَوْتِ لا أبالي بالسَّاعاتِ.؟
هَكَذا حاوَرَتْني الذَّاتُ المُتْعَبَةُ
لمْ أكنْ حينًا إلا قابَ قَوْسَيْنَ
أوْ أدْنى أنْ أهْوي مِنَ السَّماوات
أغازلُ حَرْفًا لمْ يَخْطُرْ بِبالي يَوْمًا أنَّهُ لي
سَيُعيدُ ترتيبَ قواعدِ الْجَذبِ والْخَصْبِ
ويمارسُ منْ بَعيدٍ عَليَّ قَواعدَ الإثباتِ
بِلا مُحْتَجٍّ عَلاني
كيْ يقبضَ منْ جَديدٍ
عَلى ما تَبَقَّى مِنِّي منْ اهْتِزازاتِ
إذِ الْحُروفُ تَسْقُطُ مِنِّي
سَنَواتٍ بِلا مُنازعٍ يُنازعُني
وقدْ صِرْتُ لِذاتي شِبْهَ ذاتِ
هَكَذا حاوَرَتْني الذاتُ
قالَ صَحْبي وَهُو خَلْفِي يُحَدِّثُني عَنْ طُرُق الذَّاتِ
لمَّا خانَتْهُ القَصيدةُ
حين اعْتَلى عَرْشَ المَلَذَّاتِ
وقَدْ رَمى إلي حُزْنَ القَصيداتِ
لمْ يَكنْ لهُ منْ وقْتٍ
كَيْ يُعيدَ ترتيبَ
ما تَبَقَّى لهُ منْ عُمْر على طول السَّاعاتِ
وَهو الصَّاعِدُ مِنْ ذاتِهِ إلى الْخُلواتِ
لا يَسْتَأنِسُ بالأشْياءِ التي ضيَّعتْهُ
ولا بالأسْماءِ التي عاهَدْتهُ
لُهُ عَرْشًا عَلى سَجادَةِ الماءاتِ
هو الفارُّ مِنْ ذاتِهِ ومِنْ ذَواتِ الآخَرينَ
عُمْرًا فِي زاويَّةٍ قَصِيَّةٍ
على حَصير يُغطيها قَصَبُ الصَّبَواتِ
قَدْ تَدلَّى مِنْها عِنَبُ كالثُّرياتِ
بيْنَ غَيابات البَراري خَلْفَ تَلٍّ منْ حَجَرٍ
لا يَعْلوها إلا ريحُ الناياتِ
والمَوْتُ تمُرُّ عَلَيْها بَعْدَ نسيم المَساءاتِ
هَكَذا حَدَّثني
ومنْ بَعْدُ أنْساني مُتْعَةَ الْحَرفِ
أو حاولَ ذلك لِحاجَةٍ فِي نفْسِ يَعْقوبَ
حينَ فاجَأتهُ عَواصِفٌ مِنْ زَخَّاتِ الآهاتِ
وعَنْ عُيونِ السَّماواتِ احْتَجبْ
لعَلَّهُ خافَ مِن المَوْت فِي صُعودِهِ واغْتَربْ
أوْ لَعَلَّهُ فِي طَريقِهِ صادَفَ ظِلَّ ذاتٍ
وإليْهِ عانقَ المُسْتَحيلَ
ثُمَّ اسْتقامَ عَلى سَريرِ المَماتِ
هَكذا حَدَّثَني
لَيْلةً منْ لَيال الوَداع الأخيرِ ثمَّ انْصَرفْ
وما عَنِّي يَوْمًا تَخَلَّفْ
فلمْ أدْرِ أهِي غَيْمَةٌ مَرَّتْ عَلَيْهِ مِنَ الغَيْماتِ
أمْ أنَّهُ اشْتاقَ فِي خُلْوَةٍ لِذاتِهِ
وعنِّي فِعْلا انْصَرفْ
تاركًا هُنا بابًا موصَدًا
عَلى قَصيدَةِ الرُّقُيِّ لا يُفْتَحُ
حَتَّى ولَوْ بِنار القَصيدَةِ احْتَرقْتُ
عَلى سَجادَةِ الماءاتِ أوْ سَعير الاهْتِزازاتِ..؟؟
لكِنَّهُ عَنِّي انْصَرَفْ
إلى مَواقِعَ أخْرى منْ ذاتٍ
لَعَلَّهُ يَسْتريحُ بِرَبْوَةِ المَلَذَّاتِ
فَلمْ يكنْ لهُ إلا أنْ يُوَدِّعَ عُمْرهُ الفاني
دونَ وَداع يليقُ بهِ أو بِإعْلانٍ مُسَبَّقٍ
ويَبْني لهُ قَبْرًا في القلْبِ خَلْفَ الغياباتِ
أكادير: 9 نونبر 2015
من الاهتزاز العاشر: “صاعدا لا أرتوي” – سيرة متصوف
الصادر عن مؤسسة آفاق للدراسات والنشر والاتصال مراكش المغرب سنة 2020