الشاعرة هند غزالي في قصيدة (رياح البليل): عندما تتهاوى الأحلام البهية بفعل الرحيل

مجدالدين سعودي. المغرب

 

استهلال:

 

في كل رحيل أسى.

فتتبعنا آلام الذكريات والعطاء، ولهذا تسكننا النوستالجيا، ونشتاق دوما للزمن الجميل، فيظهر لنا الحاضر كئيبا بدون مبادئ وقيم، ولهذا قال نجيب محفوظ: (زمن المبادئ مضى، وهذا زمن الهجرة).

فالرحيل يدفعنا دوما الى ترديد مقولة أمين معلوف: (عندما نحب شخصًا، فأقصى ما نتمناه هو الرحيل عن هذا العالم قبله).

 

1 في العنوان: (رياح البليل)

 

جاء عنوانا القصيدة بطعم الشجن، فالبليل حاضر طيلة أبيات القصيدة عبر مفردات الأسى والحزن معا، و(البلِيل)كما تجمع قواميس اللغة على انه: صوت المريض، و(البَلِيلُ مِنَ الرِّيَاحِ) هو: (البَارِدَةُ مَعَ نَدىً).

و(رياح البليل) لا بد أن تكون عليلة موسومة بالأحزان وهذا ما سنلاحظه في القاموس الحزين المستعمل في القصيدة.

 

2 في قاموس الشجن

 

سنقوم برحلة في مفردات وقاموس أبيات القصيدة، ونستحضر كل المفردات الدالة.

(الرحيل): وهو الطابع العام الغالب على قصيدة الشاعرة هند غزالي. انه رحيل مفجع، وهو كما يقول المتنبي:

(والهجر اقتل لي مما اراقبه    أنا الغريق فما خوفي من البلل)

(غابت شمس الأصيل): في غياب الشمس، يحضر الظلام، فتغيب الأحلام الجميلة والذكريات الغالية.

يقول الأديب والسينمائي وودي الن: (الغياب يكشف لك مقدار تعلقك بالشخص أو مقدار الراحة العظيمة بغيابه، الغياب يفسر شعورك بكل صدق.)

 (جراح المساء العليل): صورة شعرية قوية، فهي تجمع بين الجراح والمساء العليل معا.

 (الأيك): (وهو الشَّجَرُ المُلْتَفُّ الكثيرُ، وهي الغَيْضَةُ تُنْبِتُ السِدْرَ والأَراكَ، أوِ الجَماعَةُ مِن كُلِّ الشَّجَرِ) كما جاء في قاموس المعاني، وكأن الذات الشاعرة تستحضر وجود الأشواك والأوجاع معا.

 (رياح الخريف): فصل الخريف هو فصل انخفاض الحرارة ونهاية موسم نمو النباتات والأشجار، فتصبح الأوراق صفراء وبرتقالية اللون وتتساقط أوراق الأشجار إضافة الى انه فصل الهجرة لبعض أنواع الطيور في السماء…

(الغياب الطويل): دلالة على طول أمد الهجرة وهذا الغياب الطويل يقتل الأمل في العودة.

(طير أنا مهاجر): والطير يحن دوما للعودة، لأن العودة ولادة جديدة، ولهذا

يتساءل الصحفي أحمد الشيخ: (هل تحددت مصائرنا بين الموت أو الهجرة؟)

(تنهدتْ مهجتي):

جاء في قاموس المعاني:

(المُهْجَة): دمُ القلب

(المُهْجَة من كلِّ شيء): خالِصُه

(المُهْجَة: الرُّوح، النَّفْس)

وهذا يعني أن كل شيء من قلب وروح الذات الشاعرة تعاني من قسوة الرحيل.

في المقطع الشعري التالي:

(تساقطت أوراق الوَجد

ثكلى على أرضك):

تصور لنا الذات الشاعرة حالة إنسانية تعيشها: ويقال (أَرَّقَهُ الوَجْدُ): عذبه الْحُبُّ وتركه بدون نوم من شدة الوله والعشق.

وفي المقطع الشعري التالي:

(تنثر الدمع وترثي هواك

أطفأتْ ريح النسيان جذوته)

تبدع الذات الشاعرة في رسم صورة شعرية قاتمة لمشاعر ماتت.

 

3 في الرحيل

 

تم تكرار كلمة (الرحيل) 3 مرات، وعبر جملة افتتاحية ولازمة في نفس الوقت: (لا تسألني: لم الرحيل؟)

ونستحضر الشاعر أبو نواس وهو يصف لنا مشاعر الرحيل قائلا:

(إنما يفتضح العا***شق في وقت الرحيل)

وها هو ابن الرومي ينشد قائلا:

(فما كل من حط الرحال بمخفق**ولا كل من شد الرحال بكاسب)

ولهذا كتب مصطفى صادق الرفاعي بكل صدق: (الموت ينتزع الروح، والهجر يترك الروح كأنها منتزعة، فهوت موتٌ لا ينتهي)

 

4 في النسق العام للقصيدة:

 

تم بناء مقاطع القصيدة عبر تسلسل منطقي، فبعد لازمة التساؤل الوجودي للذات الشاعرة: (لا تسألني: لم الرحيل؟تأتي الأجوبة تباعا:

(عندما غابت شمس الأصيل

تفتقت جراح المساء العليل

رتَّلت على الأيك الحمائم

عزفت على رياح الخريف

نوتات الغياب الطويل)

وكذلك:

(طير أنا مهاجر

حر يسافر دون دليل

أتظن قد أضِل السبيل؟

سأعود إلى وطني

قلبٌ يحب ليس له مثيل

آثرتك على النفس

تنهدتْ مهجتي:

تساقطت أوراق الوَجد

ثكلى على أرضك

تنثر الدمع وترثي هواك

أطفأتْ ريح النسيان جذوته

لم يعد له فتيل)

وكذلك:

(غربة الروح أشد وطئا

في موطن كان هو الأسيل

يا رياح البليل هلمي

إن لي أملا:

أن يبقى هو الخليل

فمهما رحلتُ بعيدا

هيهات يموت في القلب

فليس لعطر اسمه بديل)

 

خاتمة

 

قصيدة رياح البليل صرخة قوية ضد كل رحيل يترك وراءه الأحزان فيدمي القلب ويقتل حب الحياة.

وذات بهاء أنشد عمر بن أبي ربيعة:

 (أردت عتابكم فكففت أني***رأيت الهجر يبدأه العتاب

وكم قد قلت من قول لدينا***له لولا محبتكم جواب)

 

مجدالدين سعودي. المغرب

 

النص الشعري (رياح البليل) للشاعرة هند غزالي:

 

(لا تسألني: لم الرحيل؟

عندما غابت شمس الأصيل

تفتقت جراح المساء العليل

رتَّلت على الأيك الحمائم

عزفت على رياح الخريف

نوتات الغياب الطويل

لا تسألني: لم الرحيل؟

طير أنا مهاجر

حر يسافر دون دليل

أتظن قد أضِل السبيل؟

سأعود إلى وطني

قلبٌ يحب ليس له مثيل

آثرتك على النفس

تنهدتْ مهجتي:

تساقطت أوراق الوَجد

ثكلى على أرضك

تنثر الدمع وترثي هواك

أطفأتْ ريح النسيان جذوته

لم يعد له فتيل

لا تسألني: لم الرحيل؟

غربة الروح أشد وطئا

في موطن كان هو الأسيل

يا رياح البليل هلمي

إن لي أملا:

أن يبقى هو الخليل

فمهما رحلتُ بعيدا

هيهات يموت في القلب

فليس لعطر اسمه بديل)

هند غزالي من المغرب

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.