محمد الصمري: فارس الشهيدة ، الذي لا يتعب ولا يكل

مجدالدين سعودي. المغرب/

استهلال:

نحن قوم الوفاء…شعارنا البهي هو البهاء، وبمداد الفخر نكتب ملحمة الصفاء، لمحمد الصمري سيد النقاء…

ها هو محمد يهل علينا بطلته، ببسمته، فنستحضر أياما بهية مضت وذكريات ولت، نعود لنوستالجيا الزمن الجميل تجمعنا مائدة صغيرة وابتسامات وعمل جمعوي ونضالي ومسرحي مستمر…

1 وفاء من سيد الوفاء

بعد الغيبة الطويلة يجتمع شمل الأصدقاء لإحياء صلة الرحم وصداقات أزيد من عشرين سنة، يكتب محمد الصمري بحنين وحب:

(تهدر الكلمات على ضفاف نفسي لتخرس المعاني وتتمنع الحروف وتزدحم الأسئلة في الرؤوس لعلنا نواري فداحة هذا الارتحال الجارف الذي تملت منه الأرواح كرها…

أرادوا أن يغادروا المدينة كرها أو طواعية؛ فرحلوا بأناقة، ولم ينزعوا حبّهم لتربة المدينة وأريج هواها التي كانت موطنهم …. نثروا ورودا فوق ترائب الشمس بدل الجروح، فكان فراقهم جميلا كقربهم وظلت مواقفهم تعيش بأحراش الذاكرة،

تتزاحم الصور والذكريات حين تقرأ تفاصيل صفحاتهم في كل الفصول….)

وعن قصيدة وادزميس للشاعر البهي عبد العزيز برعود يكتب فارس الشهيدة محمد الصمري:

 

(وادزاميس : قصيدة ماتعة بنفس شعري جاذب ومعجم صاف، وبتشكيل لغوي متملص على القبض يمتح صدفه من غور البحر، قصيدة توغل بنا في واقع العبثية، وتسافر بنا في أفلاك الوجع الوادزامي في نزيفه وأوبئته بعيدا عن الكتابة المنافقة التي تغازل بأقنعة غالبا ما تسقط سريعا أمام هول الجراح… وادزاميس، قصيدة بريش وحنجرة عصفور مغرد يشرقنا بالحسرات والوجع بحروف ملتهبة تدغدغنا بأطراف مخالبها لنبكي أحلامنا المعطوبة التي أضجرها الانتظار والسفر بعيدا…هي زغرودة مؤجلة تتنفس ألما …

وادزاميس قصيدة لبست لباسا صوفيا وعانقت طقسا يختلف عن أخواتها….. قصيدة حروفها مالحة تنفلت من أقفال الأبواب المواربة للحقيقة لتفتق كتان الصمت الشفيف المرشوش بحنوط الخديعة الغارقة في المرارة كطعم الكبائر والمعصيات…هي قصيدة تعددت سواحلها الهائجة وجبهاتها المتعرقة بالألم والفرح المطفأ في عتمة متاريس الخواء).

 

2 غيرة على تهميش مدينة الشهداء

محمد الصمري هو مثقف غرامشي بامتياز، هو المتشبث بأرض الشهادة ولم ينسلخ أبدا عن هموم المهمشين، وبعنوان بارز ودال: (وادي زم: حينما تبكي ملاعب الأحياء وتتحدث)، يكتب بألم وحسرة:

(…سلام عليكم جميعاً حين يشتد الحنين ويكبر جرح الذكرى، سلام عليكم عند مطلع فجر كل يوم جمعة ويوم أحد وعند مقدم كل رمضان … سلام على كل من لعبوا ذات يوم حُفاة وتناثرت حبات عرقهم منقرة تراب ملعب الروضة. وعلى جلدهم بصمة جرح …

هي قصة وحكاية ملاعب وادزمية تحولت إلى أصقاع وآبار ناضبة تتوسد خاصرة الجفاف، رسمت تنهيدتها الأخيرة ولم تعد بليلة بالعرق تتسابق الخطى في أرضيتها وتتعثر على ترابها الأجساد، وتملأ جنباتها صيحات وغضب ونميمة و فرح ثرثرة و تحاكي جميل يبرقشون المكان، فعشعشت رغوة المرارة فُقّاعات هودج في حلقها…

كانت هائجة جامحة كالنار، هاجمة كأحصنة نافرة بشبابها الطموح …

كانت مشتلاً ومغرساً للأجيال يغرفون من نَبْع من سبقوهم. الذين دقّوا أوتاد عشق كرة القدم….”ملعب الروضة”، “ملعب الزيتونة”، “ملعب فران بيه”، “ملعب الفيلاج”، “ملعب طاحونة ليندا” “ملعب دالاس”، “ملعب درب سعيد”، “و ملعب الحلفة” ، “ملعب الضاية”، “ملعب الشباب”، “ملعب الروبيو”، “ملعب الباستين”، “ملعب الماكازا”، “ملعب الكريان”، “ملعب الخراجة”… طمّرهم زحف الإسمنت و أرخبيل الجوطيات ليرسموا القحط الذي فرش المكان رهبة وغرس أظلافه في كل جنباتها فأضحت جسداً مهزولاً منخوراً منذوراً للنّسيان…

تلك الملاعب أرحام أنجبت أسماء كروية موشومة في الذاكرة أجراساً لا يهدأ رنينها، تصبب العرق منهم حتى تشمعت قمصانهم ولعبوا مع السريع الأزرق زمن التسوّل المقنع والاكتتاب والقهرة، فرحلوا دون مراسيم وعاشوا في اكتئاب مقيت وذليل وخاطوا أفواههم عن الكلام المباح).

وعن ارتفاع الأسعار التي يكتوي بنارها الضعفاء والبسطاء وكل أطياف الشعب المغربي، يكتب محمد الصمري محذرا حكومات اليأس:

(وادي زم:لم يسبق لي أن سمعت ما سمعته اليوم بممرات وخيام سوق المدينة لسنين …. لقد ضاقت رحباته بما حوت أينما وليت وجهك أنات وزفرات من هول كماشة الأسعار…سير…سير).

ونتساءل بحرقة: الى أين السير والمسير؟

 

3 باقات ياسمين

لسكينة طمأنينة…

لريحانة عنقود رياحين…

لفاطمة الزهرة صبر أيوب وبهاء القديسين…

لغسان في ملكوته سكينة وريحان..

لمحمد الصمري كل البهاء والصفاء والنقاء…

 

4 غسان

غسان…

هو الحلم الجميل…

فجر انبثق من الظلام ثم لبى نداء سماويا وسافر الى ملكوت البهاء…

كان أمل فاطمة (الصبر والتضحية) …

غسان…

وسط اليأس والألم جاء ممتطيا أملا…نورا سماويا…

كبر الألم…

غاب الأمل…

لكنه سكن القلوب وانبعث من الرماد طائرا عملاقا كالفينيق…

غسان..

روح طاهرة تحول الى ملاك وذهب في رحلة بعيدة نحو جنة الخلد….

 

خاتمة

 

خاتمة تحمل في جوفها بداية البدايات، لأن مع الفارس النبيل محمد الصمري لا وجود لخاتمة، بل لبدايات البهاء والصفاء والنقاء.

وكل غسان وأنتم بألف بهاء وصفاء ونقاء…

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.