الفنانة التشكيلية أحلام لمسفر عندما يصلح الفن ما أفسدته السياسة

 

بقلم : محمد الصفى/

تعتبر معلمة من معالم الفن التشكيلي المغربي، فنانة متكاملة كما تعتبر من الفنانين القلائل الذين أثبتوا مكانتهم  في الحقل التشكيلي العالمي من خلال خطابها التشكيلي الذي كسرت به قيود اللوحة وتجاوزت مساحتها رغبة في الوصول للمتلقي بأسلوب بسيط تغلب عليه الحداثة، إنها الفنانة التشكيلية أحلام لمسفر ابنة مدينة الجديدة،  خريجة مدرسة الفنون التشكيلية و مدرسة les arts décoratifs Paris، عاشت بفرنسا منذ بداية الثمانينيات من القرن الماضي حيث تابعت دراستها الفنية و الجامعية لتحصل على أعلى الشواهد و المراتب، و في نفس الوقت تصقل موهبتها و ما درسته حول الفن التشكيلي بكل ألوانه، حيث تقول أن تلك الفترة كانت بالنسبة لها تجربة غنية استفادت خلالها من تجارب و خبرات عدد من الفنانين العالميين في مختلف مجالات الفنون و بكل الأساليب الإبداعية، نظمت خلالها مجموعة معارض كانت فاتحة خير عليها في بداية مشوارها الفني، معارض عنوانها السلم و التسامح و الحب و التآخي مع نبذ العنف إلى جانب التعريف بوطنها طبعا، و تقول بهذا الخصوص ” تعتبر مهمة الفنان خارج أرض وطنه مسؤولية حيث تدفعه هذه المهمة إلى مضاعفة جهوده و يقدم الأفضل لتمثيل بلده لأن الفنانين هم سفراء بلدانهم، كما أن الأدباء و الفنانين باختلاف مشاربهم هم أحسن من عرَّفوا بأوطانهم و ربما أفضل مما فعل رجال السياسة لأن الثقافة و الفن يصلحان أعطاب السياسة “. ليشدها الحنين لوطنها و تشتغل كأستاذة باحثة بسلك التعليم و مؤطرة في نفس الوقت للأساتذة، بمدينة أكادير و منها لمدينة الدار البيضاء ثم الجديدة و مدينة آزمور، معشوقتها حيث أقامت مرسمها الخاص بها، و تبدأ مسيرتها الفنية، و خلال هذه الفترة نظمت مجموعة من المعارض الفردية و شاركت في أخرى سواء بأوروبا أو أمريكا أو آسيا إلى جانب عدد من الدول العربية الشقيقة، و بالعديد من المدن المغربية .
        من المواضيع التي اشتغلت عليها، موضوع المرأة التي في ذاتها من خلال تنصيبات معاصرة  des installations، ثم على الطبيعة كموضوع نتيجة اهتمامها البالغ بالبيئة لتتطور التجربة و تتعمق من الانطباعي إلى التجريدي المنبثق من باطن الذات، محولة مرسمها لمحراب صوفي تنبعث منه أشكال و ألوان تفوح تمثلا و استقراء للذات،  كونها ترى أن التجريدي لا يحاكي المرئي بل اللامرئي، فهو بالنسبة لها عبارة عن تمثل ذهني، لقد انحازت الفنانة أحلام لمسفر للتجريد و التسطيح عبر تجربتها التشكيلية  للولوج إلى فكرة التخلي والاستغناء الشكلي والدخول إلى تفاصيل أكثر عمقا وفلسفة، وفتح آفاق جديدة لبصيرة المتلقي وخياله لكي يتجول في ميادين العمل وترجمته بما يتناسب مع وعيه الثقافي بعيدا عن المعاني المباشرة في الفهم، حيث كانت بداية علاقتها مع الألوان بالأخضر ثم الأصفر و منه تحولت إلى الأسود فالأحمر لتستقر في مقام الأزرق النيلي و الأسود فيما الأبيض يبقى لديها هو الصيرورة و الحياة و الأمل حيث تجده متشظيا في أغلب أعمالها، بحيث أن هذا التنوع والزخم اللوني والشكلي الذي تعتمده الفنانة  لا يحيل أبدا إلى قلق بصري، كما لا يزعج المتلقي لأنه ناتج عن دراية وتخطيط مسبق ومحكم، و هو ما جعل التشكيلي و الناقد المصري عصمت داوستاش يصف أعمالها بقوله  ” تؤكد الفنانة المغربية القديرة أحلام المسفر أن اللون هو سحر الحياة وهو محورها الجمالي، واللون عندها هو الذي يحدد الأشكال ويرسم التكوينات ويهيمن على بناء اللوحة الفنيّة عندها،  وفي تشكيل تلك البُنى الجمالية من أي فراغ تشغله بسحر ألوانها،  حتى لو كانت هذه الألوان الأبيض والأسود وما بينهما. أحلام المسفر تستلهم في تجريداتها روح المغرب العربي، خاصةً في المنظور الطبيعي الذي يجمع الأرض والبحر والسماء، وتحتفي بالأزرق ودرجاته حين يخترقه الأحمر كالبركان من طبقات السكون،  ثم تتلاشى في صوفية اللون الأبيض إلى اللانهائية مهما امتدت لوحاتها.”  
      إلى جانب أنها تميل أكثر إلى اللوحة كبيرة الحجم، والتي تمكنها ربما من حرية أكبر لطرح أفكارها واستعمال تقنياتها واستغلال مراجعها من خلال استعمال اللون الواحد بتدرجات مختلفة مع إدخال ألوان أخرى بطرق محتشمة لتترك الأولوية دائما للون ما، للسيطرة على بقية الألوان وفرض هيمنته ربما لإبراز حسن تحكمها واستفادتها من القيمة الجمالية للون الواحد، وهذا لا ينفي كونها تزاوج بين الألوان في أعمال أخرى، حيث تشتغل على اللون الواحد إما على الخلفية وتزاوج بقية الألوان في الأشكال و الرموز أو تزاوج مجموعة ألوان على كامل مساحة الأثر الفني.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.