بعيدا عن ثقافة العبث والاسترزاق والنفاق

 


 
بقلم :مجدالدين سعودي رئيس التحرير
 
استهلال:
 
يحكى أن أحد حملة الأقلام ، من جزر الواقواق، المشهور بكثرة الخصوم والهموم والسموم، أنشأ مقاولة ثقافية سماها (كيف تدخن الغليون تربح المليون؟)، فشرع في اصدار  سلسلة كتب للصغار والكبار واليافعين والمراهقين تحت مسميات مختلفة، ، و كل كتاب مشابه للكتاب السابق واللاحق، مع تغيير أسماء قديمة بأسماء جديدة، والتفنن في استعمال لغة النفاق والزواق، وبطبيعة الحال عائدات الكتب من عمليات المساهمة والبيع يستفيد منها كاتب جزر الواقواق  ..
لقد نسي أو تناسى ما قالته الكاتبة المصرية شيرين طلعت: (الكتابة تعطي أكثر مما تأخذ، إن حدث العكس فلا مفر من تركها.)
ان الكتابة التزام أخلاقي وقيم إنسانية والحياة في صف الصادقين الذين قالت في حقهم الأديبة الأمريكية إدنا فيربر: (الحياة لا يمكنها أبدًا هزيمة الكاتب الذي يشعر بحالة حب مع الكتابة.)
 
1 ظاهرة الكتابة على طريقة (سلق البيض)
 
وهي كتابة السرعة القصوى والتي قال عنها الأديب العراقي أحمد الجنديل: (ما تمخّض عن “الربيع العربي” ظاهرة الكتابة على طريقة “سلق البيض” أو ” حاضر يا فندم”، وفتحت المطابع فكّيها وخرجت منها عشرات الروايات التي تفتقر الى أبسط عناصر وخصائص الرواية الناجحة) 1

والكتابة هي عملية بناء متكاملة، فهي كما قال الفنان الفنلندي ألفار التو: (أنا لا أكتب، أنا أبني).
 
2 الكتابة بالقلم المذهب:
 
الرداءة هي عنوان الثقافة زمن البيع والشراء وضرب القيم الإنسانية. ولهذا يقول نوار الماغوط: (فالشعراء الرديئون هم الأوفر حظاً في الظهور وفي احتلال مساحات ليست لهم، وفي المقابل نجد الشاعر الحقيقي يتوارى خجلاً من فوضى المشهد وخزيه ويفضّل الغياب على المجابهة التي لن يخرج منها سالماً.2)
أصبحت الكتابة سلعة. وأصبح التهافت على الكتابة موضة المواقع التواصلية. وأصبح المال هم الكاتب تحت الطلب، ويستشهد نوار الماغوط بالنابغة الذبياني، فيقول: (النابغة تكسّب مالاً كبيراً من النعمان بن المنذر حتى كان أكله وشربه في صحاف من الذهب والفضة، قال في النعمان مدحاً لم يصل إليه شاعر من قبل وفضّله على كل الملوك2)
في مدح المنذر بن النعمان ينشد النابغة الذبياني قائلا:

(فإنك شمس والملوك كواكب                 إذا طلعت لم يبد منهن كوكب)
وبصراحته المعهودة يرفع الأديب أحمد جنديل صوته عاليا ضد كتابة البهتان، فيقول:(منذ أن مارست فكّ طلاسم الحرف وأنا أمقت الكتابة بالقلم المذّهب الوردي، ومنذ أن وضعت قدمي على طريق الوجع والألم وأنا أطلق النار من قلم الرصاص الذي أحمله طيلة رحلتي مع الحرف، سواء في عالم الصحافة أو في عالم الأدب…) 1
ولهذا يكتب محمد شكري بجرأته وصراحته: (الكتابة ليست نزهة، بل مسيرة احتجاج).
 
3 الكتابة والتهافت من أجل المال:
 
ليس عيبا أن يستفيد الكاتب الحقيقي من إيرادات ومداخيل كتبه، فكارل ماركس يقول: (على الكاتب ان يجني القليل من المال حتى يعيش ويستمر في الكتابة لكن ليس عليه أن يعيش ويكتب من اجل جني المزيد من المال).
وبأسلوب الوضوح يفضح الروائي المتميز أحمد الجنديل المتهافتين نحو المال والشهرة والجوائز، فيقول في حقهم: (ما يحدث اليوم، للأسف، أن بعض الكتّاب المُحترفين يبحثون في جيب الحاكم أو الجهة المانحة للجائزة وقد أهملوا الإنسان المتوهّج بالعطاء والنقاء داخل نفوسهم فسقطوا في وحل الهزيمة. ما يحدث اليوم ازدهار دور النشر التي أصبحت تتحكّم في أقلام المبدعين وفي المزاج والأهواء، ودخلت السياسة والأيديولوجيات إلى عالم الإبداع وبدأت ترسم خارطته وتعبث في بوصلته. )1
الكتابة تغيير نحو الأفضل، ولهذا كتب الكاتب الأفرو أمريكي جيمس أ. بالدوين: (أنت تكتب من أجل تغيير العالم.)
 
4 الكتابة والمديح والنفاق:

كتاب النفاق بدون مشاعر جياشة، فهم يبحثون عن المال ويعرفون من أين تؤكل الكتف.
يكتب وليد قصاب: (رُوي أن الشاعر الأموي الشهير الفرزدقَ مدح الحجّاج في حياته، وتلقَّى هباتِه وعطاياه، ثم هَجاه بعد موته، فلاموهُ على ذلك لومًا شديدًا، فقال: “نكون مع العبد ما دام الله معه، فإنْ تخلَّى عنه تخلَّينا عنه)3
و في نفس السياق يواصل وليد قصاب: (كما رُوي أن أبا دلامة كان يمدح السفاح – أخا المنصور – ويُكثِر مِن مدحه، فلامه المنصور على ذلك، فقال أبو دلامة: “إني أرغبُ في الثمَن، فإنْ أَعطيتَ ما أعطى أخذتَ ما أخَذَ.) 3
بينما يكتب توفيق أبو شومر:(لم يتوقف هذا النِّفاقُ على هذه الصورة الغريبة، بل وصل الحالُ ببعضِ الشعراءِ أنَّهم انتهكوا المقدسات، كما فعلَ الشاعرُ، ابن هانئ الأندلسي، المتوفَّى العام 973م، وهو يمدح الخليفة الفاطمي، المعز لدين الله، والغريب أن الخليفةَ لم يستأ من هذا المدح، بل انتشى طربا على وقع هذه الأبيات):
(ما شئتَ، لا ما شاءتْ الأقدارُ…. فاحكم فأنتَ الواحدُ القهَّار.
وكأنما أنتَ النبيُ محمدٌ……. وكأنما أنصارُك الأنصارُ.
أنت الذي كانت تبشِّرنا به……. في كتبها الأخبارُ والأحبارُ.
هذا الذي تُرجى النجاةُ به…. وبه يُحَطُّ الإصرُ والأوزار).4

5 الكتابة والمبدع الحقيقي:
 
ان المبدع الحقيقي هو من يعيش من أجل الكتابة وينعزل لشهور وسنوات من أجل الكتابة، فقصيدة واحدة أو قصة واحدة تتطلب من كاتبها شهورا من العزلة بدءاً ?من اختمار الفكرة وصياغتها وكتابتها وإعادة كتابتها وتصحيح مضامينها ولغتها، ولهذا نتعجب من كل كاتب يفتخر بكتبة نص أدبي في رمشة عين، انه بؤس الثقافة والعبث بعينه.
ولهذا يقول أحمد الجنديل: (الكاتب المبدع عليه البحث عن الإنسان الذي بداخله وليس عن الجائزة، والكاتب الحقيقي عليه أن يقول كلمته بصدق ويرحل من دون الالتفات إلى تكريم أو جائزة).1
ولهذا هتف محمد شكري: (إن الكتابة تبارك من يخلص لها ولا تتخلى إلا عن الإنتهازيين.)
 
خاتمة:
 
الكتابة هي تتويج لمعاناة الكاتب المبدع الذي يسهر الليالي من أجل إبداع حقيقي بعيدا عن لغة الاسترزاق وأساليب النفاق.
يقول هاروكي موراكامي: (الكتابة بالنسبة لي عملية مؤلمة).
 وأجمل ما نختم به بعيدا عن ثقافة العبث والاسترزاق والنفاق، ما كتبه شاعر الالتزام والصدق محمد الرضاوي:
(أنا ثائر…..
أنا مواطن ثائر
وثورتي في شعري ونضالاتي
أنا ثائر
لا يهمني ثروة في حياتي
إلا الثورة ضد الاستبداد
والدكتاتورية والفساد)5
 
مجدالدين سعودي رئيس التحرير جريدة لوبوان24.
 
إحالات:
1 الجنديل للميادين الثقافية: (كتّاب السلاطين ساهموا في إشاعة ثقافة الخنوع) حاوره (أوس أبو العطا)

2 نوار الماغوط: شعراء العرب وظاهرة التكسُّب بين القاعدة والاستثناء

3 د. وليد قصاب: من نفاق الشعراء موقع شبكة الألوكة
4 توفيق أبو شومر: هل النِّفاقُ مِلحُ الشعراءِ؟
5 محمد الرضاوي: قصيدة: أنا مواطن ثائر

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.