الناشط هو ذلك الفرد الذي يقوم من خلال مجهود شخصي أو عبر مجموعة تشترك في اهتمامات متشابهة بأعمال تهدف إلى إحداث التغير في وضع قائم أو تعمل على تسليط الضوء على حقائق تهدف إلى تنوير المجتمع لمفاهيم خاطئة حولها، أو هو كل فرد يسعى إلى إيصال صوت و رسالة معينة إلى أكبر قدر ممكن من المتلقين بهدف إقناعهم بأهمية تثبيت واقع أو تعديله.

الصحفي على وجه التحديد، ولا أقول الكاتب، هو من يقوم بدوره المهني من خلال تحقيق أهداف قد تتشابه إلى حد ما مع تلك التي يسعى الناشط لتحقيقها، وهو السبب الذي يدعو الكثير من الناشطين والصحفيين للاعتقاد بأن من حقهم أن يقوموا بعمل الآخر، فيصبح الناشط صحفيا لا يتصف بالموضوعية المفترضة في الصحفي كونه يتبنى قضية معينة يسعى لإثباتها ولو كانت تنافي الحقيقة، والصحفي بدوره كذلك يعمل على نقل الأحداث بعقلية الناشط التي لا ترى إلا ما يثبت وجهة نظره ولا تنقل بالضرورة الحقيقة كما هي، وبالتالي يصبح أبعد ما يكون عن الموضوعية المفترضة في العمل الصحفي.

في ظل ما سبق، يبدو أنه من الصعب الاعتقاد بأن الصحفي المحترف والمهني المستقل بإمكانه أن يكون ناشطا في أي مجال كان، فذلك كما هو واضح يتنافى مع المهنية والموضوعية، والناشط العامل في الحقل الحقوقي مثلا أو الاجتماعي أو السياسي لا يمكن النظر له باعتباره صحفيا قادرا على كسب التعاطف المبني على “المنطق والعقل”، فالانتقائية في النقل لا يمكن اعتبارها مهنية يمكن أن تتحلى بأي صدقية مهما كانت حقيقية.

إن الناشط عندما يتقمص دور الصحفي سيمر دون شك في مرحلة صراع هوية مع نفسه، فهو يملك أفكارا يؤمن بها و في ذات الوقت هو مطالب أن يكون حياديا قدر المستطاع لكي يوصف بالمهنية، في وقت نجد أن العديد من الصحفيين الذين ركبوا موجة الناشط سعيا وراء النجاح الجماهيري قد فعلوا ذلك سعيا للانتشار بالوسائل الأكثر نجاحا وليس التأثير بالحقائق الأصدق بالضرورة.

لكي يكون الأمر واضحا في هذا السياق؛ فإن الصحفي أو المراسل الذي يعمل في مجال الخبر والتحقيق والتقرير هو الذي يجب ألا يقوم بدور الناشط إن كان يسعى للمهنية، بينما “كاتب الرأي” له الحق أن يكون ناشطا كما يحلو له، فهو صوت عقله وليس صوت الواقع كما هو الصحفي، أما الناشط فله أن ينادي بما يؤمن به دون أن يلبس ذلك ثوبا صحفيا ليوهم المتلقي بالموضوعية.