” وفـــاء” قصة قصيرة بقلم القاصة: خديجة الحمراني

 

كنت فتحت للتو القنينة ونحن نبتعد عن الدكان، وشربت جرعتين حين أوقفني إلحاحها وهي تتسول ماء..شابة جميلة فارعة الطول في حالة تثير الشفقة
قبعةٌ مقلوبة على منديل دَسِم يلتصق بِشعرٍ أشعث، وجهٌ بئيس بعينين صغيرتين، وفمٌ حاد.. قميص رجالي أسود مقلم؛ أبان عن بطن تقارب الشهر السابع، وسروال (جينز) لا زالت به بقع زرقاء بلون الحذاء البلاستيكي الذي تطل منه أصابع نسيها الماء ومقص الأظافر.
لم تعد تنظر إلي، اقتربت بدَلالِ راقصة كباريه مخمورة من زوجي الذي لم ينقطع عن الشرب:
— ما نشربوش يا الزين؟
كاد يشرَق وهو ينظر إليّ؛ وإلى قنينته شبه الفارغة وأومأ… مددت لها الماء، لم تعد بحاجة إليه، أخدتْ زوجي جانباً وأشارتْ له:
— أريد هذه.
خجل من اتجاه عينيها الزائغتين، ثم أدرك أنها ربما قصدت النقود التي هَمَّ بإرجاعها لجيب سرواله، وأردفتْ وهي تشير نحوي:
— كنتُ أجمل من تلك… وكنت أُمّاً، لكنهم — الأوغاد — ضربوني بعصاً خلف رأسي وخطفوا بنتي بعربتها الصغيرة… كنت أحلم أن أكون أمّاً لبنت جميلة، وحين حمِلت بهذه — وأومأت لبطنها — تمنيتها بنتاً، وفرحت حين تأكدت من جنسها… أبوها المسكين يحبني جداً، تشاجر في الميناء مع أحدهم وحُكِم بخمس عشرة سنة سجناً، أمضى منها ستّاً، وما بقي إلا القليل… نحن نحب بعضنا جداً، وسيتزوجني… أكيد سنتزوج لأنهم بالمستشفى قالوا إنهم سيأخذونها مني إن لم يحضر عند ولادتها . نحن نحلم أن نكوّن عائلة… لذلك أنا وفية له وأنتظره.
رمقتني باستعلاء، وابتعدت بخيلاء… لم ننطق حرفاً حتى البيت.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.