الاستاذ محمد الشمسي يكتب : الصحافة من زمن العظماء إلى عهد اللقطاء

بات حالك يوجع النفوس الطاهرة يا مهنتي التي دخلتها دخول العابدين لأماكن عباداتهم، حين امتهنتك في أواخر القرن الماضي، قادما إليك من معهد الصحافة، متخرجا على يد شيوخ المهنة، من الذين يفرطون في النقطة والفاصلة وعدد كلمات العنوان، فما بالكم بالتعبير والأسلوب، ويكفي الاستدلال بلحسن العسبي، ونورالدين مفتاح، وصلاح الدين الغماري، ليتبين الغث من السمين، علمونا أن الصحافة كالصلاة لها أركانها وسننها، ولا تصح بدونها، وأن للصحافة أجناس تنفرد عن بعضها انفراد الشمس عن القمر، وأن خلط الأجناس الصحافية شبيه بخلط الماء والزيت وماء جافيل في وجبة، تلك هي الصحافة التي تعلمنا، نؤمن ب”نون والقلم وما يسطرون”، ونؤمن بحكاية الفاسق الذي أتى بالنبأ، لم يكن سنتها للصحافة مجلسا وطنيا…
ماذا يجري اليوم لمهنة المتاعب؟ باتت سائبة مشرعة، يتهافت عليها اللقطاء فيعبثون بأخلاقياتها، ويدوسون على رسالتها، كما فعل المغول يوم اقتحموا بغداد حسبما ما يروي التاريخ من فظائع، الخبر لصيق بالتعليق، والبورتريه مختلط مع التحقيق، وضاع جنس الاستطلاع، ظهر قوم لا ينتظرون وقوع الخبر إنما يصنعون أخبارا، وبات نشر الخبر سابقا للحدث ذاته، في زمن كهنة “صحافة آخر زمن”، وعجبا أن يجهل المريد الأوراد…
وحين هبت سيول الانترنت جرفت الصحافة وأقامت السخافة، ووقعت الهواتف الذكية في أيدي الأغبياء، وبات كل يكتب ما يشاء وقتما يشاء بالطريقة التي شاء، وجرى تحريف الصحافة مثلما جرى تحريف الأديان، وظهر صراط ممسوخ يسير عليه القوم بلا روية…
لا بد وأن يتدخل المجلس الوطني للصحافة ليميز الطيب عن الخبيث بقوانين صارمة، فما للفيسبوك للفيسبوك وما للصحافة للصحافة، وقانون الملائمة جعل بيض اللقطاء يفقص فتكاثروا كالتراب، وليس على الصحافة أن تتحمل وزر حرية التعبير كي يلجها غير المتوضئين بأصول التكوين، لابد من مناظرة لإسعاف الصحافة قبل أن تنقرض ونبقى أمام مسخ ممسوخ ونسخ بعيدة عن الأصل، فشتان بين تحرير الصحافة وتشويه الصحافة، وبين خلق المقاولات الإعلامية وبين الترخيص لأساليب السمسرة والمحاباة ورهن المساحات لمن يدفع، أو زف الجريدة لفراش ذي السلطة والمال في زواج غير شرعي لا ينتج عنه سوى زنا الأعمال.
وفي انتظار تصحيح نسب اللقطاء، هذه تحية إجلال وتقدير لزملاء وزميلات الأمس ممن يرابطون على الخطوط الأمامية للجبهة، يقاومون متاعب المهنة، ويحاربون ميلشيات الداخل، تلجمهم قيم الصحافة، وتحكمهم مواعظها التي تعلمناها سويا في محراب معهد الصحافة…
 
  

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.