قراءة سيميائية في رواية “على ذمة التحقيق “للكاتبة أمنة برواضي

بقلم : د ، الرضواني نجيمة

المقصود بالقراءة السيميائية للنص الروائي ،دراسة لغة هذا النص بألفاظها ورموزها ،متخذين المنهج السيميائي أساسا في هذه الدراسة ،تركيزا على أدواته المنهجية بداية بتفكيك النص إلى مقاطع ،وتحليل أهم رموزه وعلاماته وتركيبهافي علاقات دلالية ،تنقل النص من بنيته السطحية الظاهرة للعيان إلى بنيته العميقة الباطنية ،يستخدم فيها القارىء خياله ،لإدراك الأبعاد الباطنية والاهداف الحقيقية للنص الروائي ،وهي مبادىء أساسية للنظرية التوليدية التحويلية ،يمثلها في المرحلة الأولى تشومسكي في كتابه “البنى التركيبية”
ورواية “على ذمة التحقيق “نص روائي مكثف بالرموز والعلامات ،لها دلالات ،تفتح المجال للقارىء للتبحر في أغوار هذا النص واكتشاف أهم دلالاته ومعانيه ،والوقوف عند أهم محطاته ،التي تحيل إلى مجموعة من القضايا الإنسانية والاجتماعية .
فالغلاف الخارجي للرواية وعنوانها ،يشكلان محطات أولية وعلامات خارجية تقدم رؤية أولية للنص الروائي .
سيميائية العنوان:
يعد العنوان في النص الروائي عتبة مهمة ،تمهد الطريق لأخذ نظرة عن مضمون النص ،وعملية ضرورية تفتح أفق التفكير الواسع عند القارىء،يقول د.محمد فكري الجزار:
“يمثل العنوان علامة كاملة،كما يمثل العمل هو الآخر علاقة كاملة أخرى وتأتي العملية بين العملين لتخلق علامة وسطية بين الإثنين”(1)
عنوان “على ذمة التحقيق” سيميائية ،تشيرلمجموعة من
الدلالات ،نكتشفها بعد دراستها من الناحية النحوية أولا ،وعلى هذا الأساس فالعنوان مركب من حرف جر”على
وإسم مجرور”ذمة”وهو مضاف “التحقيق” مضاف إليه مجرور ،وهي شبه جملة خبر ،لمبتدأ محذوف ،أما من الناحية الدلالية فإن “على” دلالة على الإستعلاء أوالظرفية كحين ،و”ذمة”تحمل دلالات مختلفة باختلاف الحقول المعرفية المنتمية إليها ،ففي الحقل اللغوي وردت معاني كثيرة لهذا المصطلح كالعهد والكفاية والرهن والضمان ….
والتحقيق بالمفهوم اللغوي من فعل حقق ،معناه التحقيق في الأمرلتأكيد صحته وصدقه ،فالتحقيق بهذا المعنى هوإثبات الأمر وتصديقه والحكم فيه، لإزالة الشبهات والظن في الأمر والقول والقضية…
أما التحقيق المرتبط بالجانب القانوني ، مرحلة قضائية يتم فيها البحث عن الأدلة والبراهين للحكم في القضية الغامضةبغرض الوصول للحقيقة .والجمع بين هذه الدلالات تسوقنا إلى مدلولات تصورية لها علاقة بفحوى الرواية،كوجود أمر أوقضية موقوفة ومرهونة إلى حين التحقيق فيها بالبحث الإجرائي ،و صدور الحكم بعدها بالحق والعدالة إما بالاتهام أوالبراءة،ومن هذا المنطلق يمكننا القول قضية أو متهم أو سجين على ذمة التحقيق . واكتفت الروائية أمنة برواضي بذكر الخبر فقط “على ذمة التحقيق “وحذف المبتدأ لإثارة تساؤلات القارىء وتحفيزه لقراءة الرواية والإجابة عن تساؤلاته .
سيميائية الغلاف:
الغلاف الخارجي للكتاب،علامة لها علاقة بأحداث الرواية وأهدافها.يقول د.محمد بلوافي:
“الغلاف هو عنوان وليس قبرا باردا ،داخله ورقةأومجموعة أوراق بالحروف المرتكبة وحرائق الشوق:الغلاف هواللغويات الأولى بهذه الفقرة”(2)
فالغلاف الخارجي لرواية “على ذمة التحقيق” عبارة عن لوحة فنية ممزوجة بألوان مختلفة ،ويشغل اللون الأبيض حيزا واسعا في الواجهة ،يختلف دلالته باختلاف الثقافات
وغالبا مايدل على الصفاء والنقاء ،ليرمز في هذه الرواية لبساطة وبراءة فئة معينة من الواقع المعاش وغموض آمالهاالمستقبلية ،بل شبه منعدمة ،عبرت عنها بدوائر خضراء ،مختلفة الحجم وسط اللون الأبيض ،أما اللون الأزرق الداكن المرتبط باللون الأسود ،إشارة للحزن والكآبة واليأس ومعاناة الفئة البسيطة ،والمستغلة من فئات تملك القوة والسلطة ،وقد يكون الواقع نفسه سلطة قوية ،يحرم الإنسان من العيش السعيد كالفقر واليتم واليأس والأمان.
أما اللون الورد الضئيل بين الألوان الأخرى ،دلالة على الجمال والطفولة …واللون البنفسجي رمز للتردد والقلق والارتباك والتفكر … وهي صفات لشخصية المتهم “كمال” بطل الرواية ،أما اللون الأخضر والأزرق المفتوح ،لون الحياة الصافية والهادئة ،واللون الأحمر الموجود في أعلى الغلاف يدل على السلطة والإغراء والخيانة والغدر …وهذه الدلالات ترتبط أساسا بشخصية الموظفة، المستخدمة لأسلوب الإغراء وسيلة ،لاستغلال بساطة كمال وعفويته لتورطه في قضية التزوير، ليصبح متهماعلى “ذمةالتحقيق واختيار هذا الغلاف ،المشكل من مجموعة من الألوان المتناقضة على شكل نصف دوائروأشرطة ،للتعبيرعن واقع متناقض بين الخير والشر واليأس والأمل وبين الحزن والفرح بين البراءة والاتهام … يذهب ضحيته فئة من البسطاءوالضعفاء ،وشاركت الكاتبة أمنة برواضي هموم هذه الفئة من خلال عنوانها ،الذي رسمته باللون الأسود، لتعبر عن مشاعرها وأحاسيسنا النبيلة تجاه هذه الفئة، ويظهر ذلك جليا من خلال إهدائها ومضمون الرواية
سيميائية المكان:
وتدور أحداث الرواية في مكان مغلق “السجن “وراء القضبان ،وهو فضاء ينفصل عن العالم الخارجي ،يسلب من الإنسان حريته ،فتفرض عليه قوانين السجن القاسية وقدمت الكاتبةهذا الفضاء برؤية خاصة ،إذ جعلت منه مكانا للتعلم والتجارب والأمان للمحرومين من المأوى والمسكن والحنان …
سيميائية الزمان:
-زمن السرد : عبرت عنه الكاتبة في بداية روايتها”جلس وحيدا فوق السرير ” دلالة أن الحدث وقع في الزمن الماضي وتسرد الوقائع والأحداث الواقعة في فضاء “السجن “وحالة سجنائه ،خاصة السجين كمال الذي عليه يدور الحدث الرئيسي .
-زمن الحوار: ليلا ،وهو الزمن الذي يجتمع فيه السجناء للحديث عن معاناتهم وأحوالهم “وقضى ليالي طوال همومه “ودلالة هذا الزمن عن الحزن والألم والوحدة، لذلك اختارته الكاتبة للتعبير عن مأساة المظلومين ،والمحرومين من نعم الحياة.هنا نتذكر قول الشاعر امرىءالقيس ووصفه لليل :
وليل كموج البحر أرخى سدوله علي بأنواع الهموم ليبتلي .
-زمن دخول السجن : هو زمن استلاب الحرية والحرمان من متعةالحياة ،وعبر عنه في الرواية بالزمن الضائع والمسروق من السجناء في غفلة منهم،وسماه حسين بزمن الحرمان وحدده بفترة سجنه ” ثلاث سنوات ،وأربعة أشهر ،وخمسة عشر يوما ،عدها بالأيام وجدها ألفاومائتين وثلاثين يوما”(3)
زمن الخروج من السجن :زمن الإفراج والحريّة والبراءة ودلالته السيميائية انتصار الحق على الباطل .
-زمن الحفل : تكريم الموظف كمال بعد برائته من التهمة الملفوفة إليه، رغبة من الكاتبة إعادة الاعتبارللإنسان المتهم بعد إثبات برائته.
-زمن الانتظار : زمن يتوسط زمنين، زمن السجن وزمن الافراج ،هو زمن طويل، عبرت عنه الكاتبة أمنة برواضي بالساعة التي تلازم معصم السجين ،دلالة سيميائية تؤرخ للحياة الضائعة في زمن الانتظارفي قول الكاتبة “لأنها تمثل بالنسبة إليه الزمن الماضي ،والحاضر والمستقبل والعمر الضائع منه بين الجدران”(4)
-زمن الزيارة : زمن زيارة الأهل لأقربائهم السجناء ،دلالة على زمن التواصل مع الأهل والأحبة وما يحملونه من طعام وحاجات .
-زمن الاسترجاع : استرجاع السجين أحداث مضت في قول كمال :
كانت والدتي دائما قريبة مني ،لقد قامت بدور الأم والأب بعدما غادرنا”(5)
واسترجاع الأحداث ،التي جرت بينه وبين رشيد وفؤاد قبل الإفراج عنهما،واسترجاع كمال لذكريات أمه وبطولاتها فداء لأبنائها؛ فحاولت الكاتبة الاستدلال بقصيدة محمود درويش “أحن إلى خبز أمي”تعبيرا ودلالة على أهمية الأم وحنانها في حياة كل إنسان.
سيميائية الشخصيات:
حاولت الكاتبة أمنة برواضي في روايتها”على ذمةالتحقيق “أن تؤثث لأحداث واقعية بلغة سردية ،جمعت بين الرمز والواقع ،وجرت هذه الأحداث على لسان شخصيات رئيسية وثانوية ،من خلال الحوار السردي ،الذي يشكل عنصرا أساسيا في النص الروائي،يقول سعيد جاب الله: “فالشخصية تأخذ فيه شكل فرد يقوم بدورهافي المسار السردي ،فهو شخص فاعل يشارك غيره في تحديد دور عاملي واحد أو عدة أدوار عاملية”(6)
والشخصيات في الرواية لها أدوار عاملية وفاعلية إما مساعدة أومعاكسة للحدث ،واختارت أمنة برواضي لروايتها “على ذمة التحقيق شخصيات مختلفةفي الأسماء والصفات والأفعال .. تسمح للقارئ فك رموزهاواستخلاص معانيها ،لتحقيق التواصل الفعّال بين القارئ ومضمون الرواية ،يقول سعيد بن كراد:
ولإدراك الأبعاد التي ترمز إليها الشخصية والمواصفات والقيم الكونية التي تجسدها لابد من فعل القراءة ،فإذا كان المؤلف يسعى من خلال شخصية لسن الواقع داخل النص السردي ،فإن هدف القارىء فك ذلك السنن ” (7)
من خلال فعل القراءة فالشخصية الرئيسيّة ،التي تدور حولها أحداث الرواية، شخصية كمال ،وهو إسم علم عربي الأصل لمذكر ،يدل على الكمال والتمام في الأخلاق والأفعال ،والكمال لله سبحانه وحده ،وهذه الدلالة مقترنة أيضابأقوال كمال وحديثه في قوله :
“أنا الذي لم أعرف كيف أحافظ على استقرار الوضع ،وقدمت نفسي بغبائي فريسة لأول ذئب يتربص بي “ولكل الذين ينتظرون بأياد ممدودة عطاءنا لم نجد سوى ذبول واصفرار وحصاد”(8)
هذه الأقوال علامات دالة عن بساطته ،التي كانت السبب في النيل منه لتورطه في قضية التزوير،حالت دون تحقيقه أمال الناس وطموحاتهم .
حسين :تصغير لإسم حسن ،وهو إسم مذكر عربي ،دال عن المحبة والاحسان والعطاء والعون.. شخصية مساعدة لكمال في تقديم النصائح وإبعاد الأذى عنه داخل السجن والسبب الرئيسي في خروجه من السجن بمساعدة صديقه فؤاد ،لأنه كان متأكدا من برائته بسبب فطنته وتجاربه في الحياة .
-فؤاد :إسم علم عربي مذكر ،من فعل فأد ،والفؤاد يطلق على القلب والروح والعقل من صفات هذه الشخصية السيطرة ،وحب القيادة والتعاطف مع الآخرين ،والصدق في الأحاسيس والمشاعر ،وفِي هذا الرواية ،قدمته الكاتبة بصفته رسّام ،يجسد آلامه ومعاناته داخل السجن في صورة ،تركها لصديقه حسين تذكره به في قوله:
“لابد أنه كان صادق الإحساس في رسمه فلايمكن أن تكون جفون سجين حديث العهد بالسجن إلا غائرة وداكنة تميل إلى البني منها إلى الوردي الفاتح”(9)
ومن صفات فؤاد الاعتماد على النفس والكرم “كان يأكل من عرق جبينه ،وكان لايبخل على نفسه”(10)
والصورة المرسومة دلالة سيميائية لمعاناة السجين داخل القضبان ،وهي ذات قيمة في نظر حسين ؛لأنها تؤرخ لتاريخ معاناة فؤاد وتاريخ كل سجين .وفؤاد شخصية مساعدة ؛تمكنت من الحصول على الأدلة للإفراج عن كمال .
-رشيد :من فعل رشد ونصح ،الدال على الشخص العاقل والراجح والمرشد ،وهو إسم علم عربي مذكر ،قدمته الكاتبة في روايتها بصفات خاصة منها العصبية والغلبة والقوة والطاعة لأوامره في قول حسين:
“إن تفوق رشيد ليس عليه وقتها سوى الطاعة لأوامره والرضوخ لطلباته”(11)
والإحساس بمعاناة السجناء وهمومهم ،لأنه في نفس مصيرهم ،ولايحس بمرارة الألم، إلا من ذاقها في قوله :
كل السجناء أهلي ،وكل من سلبت منه الحرية ولو لليلة واحدة هو من أهلي لأنه الوحيد الذي يحس بما أحس به(12)
والوشم المرسوم بيده علامة ،وظفتها الكاتبة للدلالة على نظرة الناس للإنسان الموشوم على أنه سارق ،والوشم كدليل على اتهامه ولو كان بريئا “إنهم ينظرون إلى هذا الرسم ليصدروا أحكامهم لايكلفون أنفسهم عناء السؤال عنك!”(13)
وتقديم النصائح للسجناء بأخذ الحيطة والحذر والتسلح بالقوة ،حتى لايكون فريسة السجناء الأقوياء .
-طارق : من فعل طرق ،معناه دق ،وإسم علم عربي مذكر دلالته على من يطرق الأبواب ليلا ،ويطلق على النجم ،وقد ذكره الله تعالى في سورة الطارق “والسماء والطارق وما أدراك ما الطارق النجم الثاقب”آية 1-2–3
وصفات هذا الإسم في الرواية العزلة والصمت ، يلتزم الحياد ،قليل الابتسامة ،وهوشاعر السجن ،يردد أحزانه ومعاناته في شعره ،و واختارته الكاتبة آمنة برواضي لتجعل من شخصية طارق الشاعر، الذي يطرق باب السجون ليلا بشعره ،ليذكر السجناء بحالهم داخل السجن ولتجعل من الشعر فنا صادقا يعبر به عن معاناة الشاعر والإنسان بصفة عامة.
-عزيز: اسم علم مذكر عربي الأصل ،يدل على العزة والقيمةوالقوة والعظمة ؛ويظهر هذا في صفات السجين عزيز “هو شاب يطرق أبواب عقده الرابع داكن السمرة
صاحب عضلات مفتولة ،يستعرض قوته بين الحين والآخر
“(14)
وهو ملك السجناءوتاجر مخذرات مستغلا الضعفاء داخل السجن ،ليفسد عقولهم ويبتز نقودهم ،ولون بشرته السمراءالداكنة ،دلالة على الشر والفساد ،والحقيبة الفارغة التي يتخذها وسادة ،دلالة سيميائية إشارة للهيبة والعظمة والاهتمام بالأشياء التافهة .
-الكاتبة الأولى : حاولت الكاتبة أن تذكر صفاتها ،جميلة وشعرها أشقر ذات ابتسامة جذابة ، شخصية معاكسة للحدث ؛استغلت بساطة كمال ونيته ؛ليوقع أوراق مزورة أودت به إلى السجن “على ذمة التحقيق “إلى حين البحث في القضية ،ولم تعط الكاتبة إسم لها كباقي الشخصيات
ربما قصدا منها أن كل إسم أنثى قد تكون مغرية إلا من تتصف بأخلاق عالية وتربية حسنة .
-الكاتبة الثانية:أهم صفاتها الإبتسامة في عقدها الرابع غير مغرية ،رأسها مغطى بمنديل لها وجه بشوش ،عيناها تملأها الحياة رزينة ،لها دراية بأمور العمل الإدارية كما وصفتها الروائية أمنة برواضي ،
وهي شخصية مساعدة للحدث ،استقبلت كمال بالترحيب والفرح ،قدمت له مجموعة من النصائح لحكم تجربتها في الحياة ،وهذا التغيير من كاتبة شابة مغرية إلى كاتبة عاقلة رزينة، دلالة أن الحياة تتغير والنَّاس أصناف منهم الخير والشرير،لكن على الإنسان الحذر ،وأخذ الحيطة من مغريات الحياة ،حتى لا يقع في الفخ ،ويتعرض للمشاكل ولم تقدم أمنة برواضي إسماخاصا لها ،لأن كل إسم قد يحمل الصفات المذكورة إذا تربى على القيم والأخلاق النبيلة .
القاضي : شخصية متزنة مساعدة للحدث ،تحمل هموم المظلومين ، لكن باستخدام العقل والحجج للوصول للحقيقة،في قوله:
الإحساس وحده غير كاف لإصدار الأحكام “(15)
دلالة سيميائية أن البحث القضائي لايعتمد على ماهو حسي فقط ،بل يعتد بما هو مادي من وثائق وأدلة ؛توضح المسار الصحيح للقضية.
سيميائية المضمون :
لقد عبرت أمنة برواضي عن مضمون روايتها “على ذمة التحقيق ” بمجموعة من العلامات والرموز والإشارات لوصف واقع مغلق وراء القضبان بأحداثه وآلامه ومجرياته
،وهو واقع المظلومين والمحرومين من متعة الحياة ،محددة الأسباب المؤدية إلى الانحراف وارتكاب المفاسد ،ولم تكتف بالوصف فقط ،بل حاولت تقديم الحلول لتسوية وضعية السجناء كتأسيس جمعية لحماية السجناء ودعمهم وتوجيهم إلى مستقبل أفضل كما جاء في حديث فؤاد :
علمت بأنك تنوي الدخول في جمعية لحماية السجناء وتوجيههم إلى مستقبل أفضل .(16)
وهذه الفكرة لها أهداف منها إعادة الثقة في السجناء بعدالإفراج عنهم ،ليستكملوا مشوار حياتهم بعد تعرضهم للإحباط واليأس والمعاناة في قول فؤاد :
جميعنا نزرع في هذه الحياة وكأننا بعمل الخير نرمي بذرة صغيرة ،وعلينا أن نهتم بها فيما بعد لتنمو وتزهر لتصير مع مرور الزمن شجرة باسقة تعطي ثمارها “(17)
وهذا القول له دلالة سيميائية نبيلة هو عمل الخير وزرع الأمل في نفوس السجناء والاهتمام بهم وإدماجهم في الأعمال الاجتماعية،للمساهمة في الإنتاج والتطور ،وهي قضية مهمة أشارت إليها الكاتبة ،لتغيير رؤية المجتمع للمتهم بعد برائته ،وهي رؤية قاسية قد تحبط المظلوم وتجعله ينزوي على نفسه بدل الاندماج في المجتمع ،كما
أشارت أمنة برواضي إلى حقيقة الحياة وأسرارها وماتحمله من متناقضات بين الشر والخير والصدق والكذب
والبساطة والمكر والخداع وبين الأمل واليأس والاتهام والبراءة وبين الظلم والحق ….
جاء على لسان الموظفة الرزينة :
الشر والخير من الثنائيات التي تقوم عليها الحياة سيبقى وجودهما ما بقيت الحياة ،وسيستمر الصراع إلى أن يرث الأرض ومن عليها “(18)
وربط كريماس (Greimas)رائد المدرسة السيميائية الفرنسية،والمؤسس للسيميائيات السردية ،المصطلحات بضدها،وتمثيلها في مربع سيميائي مع كيفية تشكيلها،
وبناءهافي النص السردي ،كما في رواية على”ذمة التحقيق “،صلة الاتهام بالبراءة والإفراج بالاعتقال.لأن المفهوم العميق للمصطلح لايفهم معناه إلا من خلال نقيضه وضده في علاقات دلالية ،لها دورها في بناء الحدث الروائي وتطويره؛ وأشارت الكاتبة إلى ذلك على لسان الموظفة الجديدة “في الحقيقة الإفراج في اللغة العربية له مدلول أعمق،كما أنها حتما ستردنا إلى ضدهاوهوالإعتقال “(19)
خاتمة:
إن الدراسة السيميائية لرواية “على ذمة التحقيق” كشفت
تفوق الكاتبة أمنة برواضي في سردها ،لواقع السجن له أسبابه ونتائجه ،إشارة للحالة النفسية للسجناء ،خاصة الأبرياء منهم بلغة رمزية مشوقة ،تحفز القارىء للوقوف عند علاماتها وإشاراتها ،والتفكر في دلالتها بتوسيع مداركه من أحداث النص الروائي إلى أرضية الواقع،
لمشاركةالكاتبة في رسالتها الهادفة والنبيلة .

المراجع :
1)د.محمد فكري الجزار :”العنوان وسيميوطيقا الاتصال الأدبي “دراسات أدبية ،الهيئة المصرية العامة للكتاب ص :19
(2)محمد بلوافي : “قراءة في غلاف رواية”شرفات بحر الشمال “نشر 1مايو 2009م،ديوان العرب منبر حر للثقافة والفكر والأدب .
(3) رواية “على ذمة التحقيق “أمنة برواضي، ص:34
(4) الرواية ،ص:8
(5)الرواية ،ص:62
(6)سعيد جاب الله:أطروحة سلك الدكتوراه “نظام السرد في الرواية الجزائرية “إشراف العربي دحو، جامعة باتنة الجزائر 2004م،ص:176.
(7)فليب هامون ،ترجمة سعيد بن كراد “سيميولوجية الشخصيات الروائية”الطبعة العربية الأولى 2013م
دارالحوار للنشر والتوزيع سوريا ،ص:16.
(8)رواية “على ذمة التحقيق” أمنة برواضي ،ص:62
(9)الرواية ،ص:13
(10)الرواية،ص:13
(11)الرواية، ص:11
(12)الرواية،ص: 112
(13)الرواية ،ص:112
(14)الرواية، ص: 85
(15)الرواية، ص:104
(16)الرواية،ص: 125
(17)الرواية ،ص: 126
(18) الرواية، ص146
(19)الرواية ،ص:140

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.