الديمقراطية في تونس تحتاج إلى ممارسين لا إلى منظرين
يمينة حمدي كاتبة وصحافية تونسية مقيمة في لندن.
حازت تونس على إشادة دولية، باعتبارها النموذج الوحيد الناجح بعد الانتفاضات العربية منذ عام 2011، وتوقعت شريحة هامة من التونسيين أن يتصرف القادة السياسيون الجدد وفقا لمبادئ الديمقراطية والعدالة الاجتماعية لدى اتخاذهم القرارات وأن يطبقوا القوانين التي تخدم المصلحة العامة للبلاد والناس.
لكن مهد الربيع العربي أصبح اليوم يُواجه صعوبات في فهم الديمقراطية وتطبيقها على أرض الواقع، فجميع العمليات الانتخابية البرلمانية والرئاسية التي جرت في البلاد بعد سقوط حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، لم تسفر عن أي تغيير حقيقي وملموس في مفاهيم العدالة والحرية وحقوق الإنسان والازدهار في الحياة الاجتماعية، واتخذت البلاد منحى أكثر خطورة وسوءا، أكثر مما كان عليه الوضع قبل الثورة.
وأصبحت البلاد تعيش أزمة سياسية غير مسبوقة، خصوصا بعد أن أعلن الرئيس العلماني قيس سعيد، تعليق عمل البرلمان وإقالة رئيس مجلس الوزراء وتوليه سلطات استثنائية، مبرراً ذلك بوجود تهديد وشيك للدولة التونسية، فيما ارتفعت اتهامات خصومه له بالديكتاتورية والاعتداء على مبادئ الدستور والنظام الديمقراطي للبلاد.
ويشعر مجموعات كبيرة من التونسيين بخيبة أمل كبيرة، بسبب الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردي الذي آلت إليه بلادهم، فيما لم يعكس أداء من تولوا المناصب السياسية العليا والوزارية بعد ثورة يناير 2011 مشاغل كافة التونسيين، أو يلبي تطلعاتهم، بل على العكس من ذلك فقد انصب اهتمام معظم الساسة على مصالحهم الشخصية أو على تنفيذ أجندات إيديولوجية خارجية، بدلا من الاهتمام بمصلحة البلاد والمواطنين.
وهذه الحقائق لمسها التونسي بشكل يومي، وليست مجرد اتهامات أو مؤامرات تمارسها أطراف خارجية، كما يزعم البعض للتغطية على فشلهم السياسي، واتسام سياساتهم على مدار سنوات طويلة بالارتجالية، وتفضيلهم للمصالح الحزبية والإيديولوجية الضيقة على المصلحة الوطنية العليا للبلاد.
هناك مقولة تونسية شائعة “كلام الليل مدهون بالزبدة عندما يطلع النهار يذوب”، وهي تعكس تماما الوعود الواهية التي قدمها الساسة التونسيون وعلى رأسهم زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي أثناء حملاتهم الانتخابية، لكن بمجرد اعتلائهم كرسي السلطة تبخرت جميع وعودهم الرنانة، وبدا واضحا أن معظم السياسيين سواء المنتمين إلى التيار الليبرالي أو الإسلامي لا يمتلكون وعيا حقيقيا بمعنى الديمقراطية التي تؤهلهم لتوظيف السلطة في الاتجاه الصحيح، وبما يخدم المصالح الوطنية العليا ويحقق تطلعات المواطنين.
ولن يتحقق أي شيء من دون وجود ثقة قوية بين الشعب والقادة السياسيين، وهذه الثقة لا يمكن أن تُبنى طالما أصحاب السلطة والنفوذ يتباحثون مع بعضهم بـ”الابتزاز، ولي الأذرع والتنمر”.
وهي عوامل يمكن أن تؤدي إلى انفراط عقد المجتمع وتمزقه، وتعوق قدرة أفراده ومنظماته على الاستجابة للمشكلات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وتدخل البلاد في دوامة الفوضى وعدم الاستقرار السياسي.
ومن الواضح أن معظم السياسيين سواء المنتمين للتيار الإسلامي أو العلمانيين، ليسوا على استعداد للإقرار بالأخطاء التي ارتكبوها، والأسوأ من ذلك أنهم يرفضون تعلم سلوكيات الديمقراطية الحقيقية، ومعظمهم يلقي بفشله على خصومه، خوفا من أن يقوض ذلك من سلطته أو يخسر نفوذه، رغم أن الإقرار بالفشل والمسؤولية عن أي أخطاء مع ضرورة تقبل النقد ووجهات النظر المخالفة، من القيم الأساسية لنجاح الأنظمة الديمقراطية والخطوط الأساسية للقيادة الناجحة.
السلطة الحقيقية ليست سوطا يمكن بواسطته إجبار الشعوب على فعل كل شيء، لكن عند إظهارها في الوقت المناسب من خلال الشخصية الحازمة، وليست المتعصبة تدفع الناس إلى إنجاز مهام عظيمة.