الكاتب والروائي : مولاي الحسن بنسيدي علي يكتب : قراءة في ديوان “صهيل جراح” للشاعرة والقاصة رشيدة القدميري..

امتطت صهوة القصيدة ذات الحرف الجميل وامتشقت من بين ثنايها صورا فنية رائعة، مبرزة كيفية انتقاء الألفاظ والمعاني، فتأتي جميع قصائدها بتركيبة فنية تختلف عن بعضها ، مما يضفي عليها رونقا وجمالا وقوة بناء .

تختلف المضامين في ديوانها ، وكل موضوع لا يشبه غيره، فتختار المواقف والأحداث والتعابير، وكل من يقرأ لها يشعر وكأن موضوع القصيدة يعنيه، أو أنه ناظم أبياتها،
تهتم الشاعرة بالصور الفنية ، وقد تأتيها تلقائيا لتمرسها في ترتيب الأسطر ، و تعتمد على الجرس الموسيقي الذي يحررها من اوزان الخليل ومن التقطيع العروضي ،لا تسعى إلى التكلف أو الصناعة ، أو تنميق الكلمات أو البحث عن القافية ، وإنما ترسمها وكأنها تشكل ألوانا زاهية للوحة فنية، تقول في إحدى تدويناتها :
يستيقظ الحلم على ضجيج…اللقاء…بيني وبيني …
ما أروع أن نلتقي على رصيف الحقيقة
…حفاة …عراة …
“بلا أقنعة”…
وفي كل صباح أقول :
كم أحبك يا ” أنا “…
إن ما تعيشه في عالم البحث عن الذات بكل ما يحمله من سؤال يكتنفه كثير من الألم والوجع ، فيخرج الأنين والآهات من داخلها صهيلا للجراح التي قد لا تندمل بسرعة ،وتحتاج كثيرا من الصبر والتحمل.
فالشاعرة لا تريد أن تكتم ما بداخلها ، بل تريد أن تشرك الجميع معها وتسقط خيبات الحزن و ما تحسه من الألم على من حولها، بل تحمله أثر هذا الصهيل الذي قد يحدث ردة فعل إن لم يتداركه من يهمهم الأمر تقول في قصيدة لها : بعنوان “ذات شوق”
على أوتار الغياب
أعزف لحن انتظار
أعصر الحنين
أسكبه نبيذا
يثمل نبضي ..
يجن نسيم الشوق
يكسر جدار الصمت
يمسح عن ابجديتي
قلق الجفاف
وحدود الموت
في دوامة الجنون
كل شيء مباح
ألف ربيع وربيع
أرقص بنشوة
على نغمات جرحي
وحرفي الاعرج
يغدو قصيدة
تغازل نجمة ثملة
على نافذة قلقي
أغرس في ثنايا السواد
مواسم فرح
اقطفها اشواق غربة
لاتنتهي
في ليلة تعثرت بأنفاسي
فسقطت من حسابات الزمن
لتكبر الهوة
بيني..وبيني ..
نجد الشاعرة تصارع القلق والحيرة وما تفرضه محنة الغربة ؛ غربة تسكنها فتخلق الهوة بينها وبين ذاتها، ومما أثارني في هذا الديوان في “الصفحة رقم 3 ” اسهتلالها بإهداء من نوع خاص إلى كل من تعرف ومن لا تعرف وكل من قاسمها حرفها تقول:
ذلك الجدار الصامت ..ظل صامدا يبتسم للوجع ..يداعب موجات الصراخ ..يحضن آهات الجراح .. وفي هدوء تام يغزل جذوة الغياب القصيدة ..يزفها للريح ..تحضنها بقوة ..كي لا تضيع حروفها المسافات ..إلى كل من شارك حرفي حزنه وفرحه ..صراخه وصمته ..أهدي صهيل الجراح.” انتهى”
إن الشاعرة تقصد أن تعبث بالحروف والمعاني لتربك القارئ فيعيد القراءة ويجد نفسه أسيرا بين قضبان القصيدة والقصيدة
فتكتب صهيل جراح من غير تعريف كما هو مبين على دفة الديوان وتكتب الجراح معرفة كما جاء في آخر الإهداء وتأتي على صيغة المفرد أحيانا وبالجمع أحيانا أخرى وقد اعتمدت مصطلح الجرح في جل قصائد الديوان تقول في “الصفحة 12”
في متاهاتي ..
يزهر جرحي
كصوت البرق والرعد
كصهيل الموت
ينزف جحيما
وجاء في “الصفحة 15″ ايضا مقصوصة الجناح
بعثر دمعها السطور
فرت من احضانها القافية
اختصرت كل الجراح
فيك يا انسان
وتذكره في ” الصفحة 16 ”
في رحم الحلم
تصلب الامنيات
تصنع من الخيبات
بطولات ..
تداوي جراحات..
تعلن عن انكسارك يا إنسان
إن المتمعن فيما سلف يجد أن الشاعرة تربط دائما بين الجرح والخيبة والحزن والإنكسار عند الإنسان وتضيف في” الصفحة 20 ”
إلى متى نكابر
نلبس الجرح ابتسامة
إن ملاصقة الجرح بذات الشاعرة رفيقا لمسارها فهي تعتبره قدرها تقول في آخر “الصفحة 22″
لا وقت لجمع الشتات
لا وقت للشعارات
فالإله واحد
والعمر واحد
والجرح واحد
وتربط الجرح بالمعاناة التي تكابدها حتى على مستوى الكتابة ذلك المتنفس الذي يعطيها بصيصا من الأمل هذا البصيص الذي تعيش من أجله ويجعلها تتشبت بالحياة والأمل فتقول : في الصفحة” 42 ”
على جسر انتظار
يرسم حرفي جرح
حزمة خيبات
ووصية حلم وردي
لحظات بعد الإنتظار
إنها لا تعتبر جرحها مرضا وإنما عدوا لها فمرة تلعنه ومرة أخرى تغازله وتراقصه وكأنها تستلذ وقعه عليها فنستمع إليها في هذه المعزوفة ونمعن النظر في هذه الصورة الفنية الجميلة في “الصفحة 50”
ألف ربيع وربيع
أرقص بنشوة
على نغمات جرحي
وحرفي الأعرج
يغدو قصيدة
تغزل نجمة ثملة
على نافذة قلقي
تختم الشاعرة صور الجرح بنسجها لرداء الحيرة والسؤال والتوجس فتجعل منه معطفا “كفنا ” لكائن حي تقول الشاعرة في” الصفحة 75″‘
وصوت ملل
يظلل صرخة فقد
يسابق قطار الرحيل
جسدا بلا روح
مثقلا بالفراغ
مرتديا معطف جراح
مزقته حيرة السؤال يتكرر
يملأ كل المساحات ..
ترى كيف تكون النهايات
لمجرد رمز لكائن حي
حين يبرق الموت
دون سابق اشعار ؟
فتخرج الصرخة مدوية صهيلا مجلجلا غير آبهة لا بالجرح ولا بالألم الذي سببه لها الإنكسار والمذلة والخنوع فتقف على ربوة المجابهة لتحطيم الجسد الرمز تقول في “الصفحة 80″
أتلمس طريقي
إلى النهاية.. بلا حواس
واللحظة عارية
إلا من تلك النبضة
القابعة بين قضبان الصدر
تنتظر ساعة الحسم
تجفف دمع الياسمين
تزيد خده جرحا .
على بعد خطوة
من الهاوية
أشتهي رصيفا
وحزمة دمع
لأرسم حطام جسد
كسره الظلم والذل
وفي أقبية
المتى وكيف ولماذا
بات تعفن قهرا وخوفا.
يكون الجرح دائما مقترنا بصهيل فيأتي هذا الأخير ظاهرا كمصطلح كما في قولها في ” الصفحة 12″
يزهر جرحي
كصوت البرق و الرعد
كصهيل الموت
ينزف جحيما
وقولها أيضا في “الصفحة 18”
تركب موجا من حجر
بحثا عن ناقوس السكينة
وبين ضجيج القصف
وصهيل الدمار
نسيت معنى الأمان .
ويأتي الصهيل بأشكال مختلفة بالتأوه والصرخة والبكاء والصيحة والنداء والبوح
والاستفهام والدهشة والتعجب؛ ويتجلى ذلك في كل القصائد فقوة الألفاظ الدالة عليه؛ كالموت والألم والوجع والبرق والرعد والذوبان والإرتعاش والإشتعال والصقيع وبالتلاشي والإختناق وفض البكارة وبالعدم والطعنات و النار والدم والسراب والشظايا..
تستعمل الأستاذة رشيدة القدميري معجما شعريا غزير الدلالة قوي المعاني، إلا أن الشاعرة تحبذ أن تذوب صخب صهيل الجراح فتكتمه في داخلها ، لتعلن في آخر قصيدة على انتصارها له؛ بالصمت أو الاستسلام لهذا الأخير ؛ بقولها :
أتدثر بالصمت
والروح حبلى
بألف حرف وحرف
تنعي دمعة
تقيم مراسيم العزاء
موت بالتقسيط على أحداق لحظة
قبل أن يحل الصمت
لن نمل حدثيا وقراءة في ديوان “صهيل جراح” فيكون لزاما علي أن أتطرق إلى جماليته النصية والدلالية وقبل ذلك لابد من الوقوف قليلا مع إختيار الشاعرة لعنوان مجموعتها الشعرية
فنجد أنها تلتقي في هذا العنوان ” صهيل جراح” مع كثير ممن عنونوا قصائدهم أو دواوينهم بنفس العنوان ونذكر على سبيل المثال:
صهيل الجراح للشاعرة زينب القرقوري/ البيضاء
صهيل الجراح حاتم قاسم “عضو الإتحاد العام للكتاب و الصحفيين الفلسطينيين”
صهيل الجراح لعبد الجواد مصطفى عكاشة / من فلسطين ..
ومع قصيدة حسن هادي الشمري/ من العراق

وعدد آخر من الشعراء اختاروا هذا العنوان وعدد كبير أيضا من الكتاب والقصاصين ممن وسموا مجموعاتهم ونصوصهم بصهيل الجراح.
تلتقي الشاعرة في قصائدها المؤثرة مع أغلبية من تناولوا موضوع الحزن والألم وهو تناص جميل حين يشترك فيه المبدعون ؛ في قصيدتها المعنونة ب “صهيل جراح” تقابلها قصيدة صهيل الجراح لزينب القرقوري ولمن أشرنا إليهم أعلاه ونتناول بعض نماذج قصائدهم تقول الشاعرة رشيدة القدميري في صهيل
جراح :
حروف قصيدتي
أطلت علي حزينة
متلعثمة ..حائرة ..
مقصوصة الجناح
بعثر دمعها السطور
فرت من أحضانها القافية
إختصرت كل الجراح
فيك يا إنسان
لتتكاثر ..تنتشر
تصادر الرياح
تغرقها في بحر دم
تتلاشى فيه أبعادي .
ونقرأ للشاعرة زينب القرقوري قصيدتها المعنونة بصهيل الجراح :
شب الجمر
لهيب يحرق الحروف
في السماء
كتبت بدم القلب
وشلال ذاكرتي
يتدفق زنابق
و ياسمين
يسقط الحرف
من منارة الصمت
صريعا
متأهبا للرحيل
أفق مثخن بالآلام
أسلمت نفسي ..
للمستحيل
والدمع يغسل
أرض الآثام
راحلة أنا…..
والحزن يضمني
عن دروب
العابثين
غربة الوطن..
وآهات تمزق
المضاجع
وصهيل الجراح
في الفلاة
موطني
أرتشف التنهدات
تناثرت أحاسيسي
ذاب عشقي
وغابت شموسي
لكن…
يأبى ظلي الإنحناء…
كانت صدفة جميلة وأنا أبحث في مواضيع التناص أن عترث على زخم من القصائد الجميلة المميزة التي تقارب في معجمها الشعري لقصائد الأستاذة رشيدة القدميري ونقرأ للشاعر المبدع حاتم القاسم في
صهيل الجراح
هذي دماءُ الموتِ أم ..
وردٌ تفتحَ في الجفون
لن يرهبوا جذورنا
لن يعبروا أيامنا
و يسرقوا هواءنا
و الريح في أمواجنا
و النبضُ في بوح العيون
ارمي على النار الجراح
و أطفئي جمرَ الغزاة
علميهم :
أن لحني لن يموت
لونُ خدي زيزفون
هذا الصنوبرُ من دمي
و الموتُ ينهضُ جثتي
يصحو به الجنـــــون
يا غزتي المحاصرة
يا وردة في الخاصرة
لن تهزم الرياح
و الصبح ُفي عيوننا
و الدمُ في أوراقــــنا
لن تذبلَ الغصون
عصفورتي لا تحزني
طعمُ الثمار بروقنا
وجباهنا لونَ الشموس
فيها البراعمُ و الكفن
من كل جرح ٍينهضون
قولي لهم عصفورتي
ما فادكم حصارنا
ما فادكم تجويعنا
باقون في عيونكم
كجمرة ٍمن نار
إنا هنا باقــــون
هذا صهيلي فاسمعي
وجعاً تخطى المجزرة
كل النوافذ مغلقة ….
و بصمتهم يتدثرون
لا تعتبي عصفورتي
طعمُ الحدائق ِمن دمي
و الصمتُ يأكله السكون
لا لن يمرّوا في التراب
تحت َالعواصف ِجثتي
و بذورُ ناري زوبعة
غاصت عيونكِ في دمي
ها هم على بابِ العيون
يا غزتي المحاصرة
يا وردة في الخاصرة
إنا هنا باقون .. إنا هنا باقون
قد يكون الإختلاف في مضمون كل قصيدة لكنهم جميعا يتفقون على إبراز حجم المعاناة ومكابدة الالم والحزن والغربة والوجع، وهذا ما ذهب إليه أيضا الشاعر الدكتور عبد الجواد مصطفى
عكاشة في قصيدته صهيل الجراح والتي يقول فيها :
فاسمعوا عالي الصَّهيل
من عمقها ترنو الفوارسُ ..
تمتطي شمسَ الاصيلْ
و الفجرُ شقشقَ
فاتحاً في الصَّدرِ أبوابَ الرُّجوعْ
لا حزنُ يعصفُ بالقلوبِ
و لا دموعْ
اليومَ أرسمُ صفحتي ..
طرباً بألوانِ الرَّبيعْ
فيها الزُّهورُ تفتَّحتْ ..
تشدو بآياتِ البديعْ
اليومَ ينفضُ التَّاريخُ كالفينيقُ أكفانَهْ
و البدرُ عاد معانقاً في الليلِ أشجانَهْ
تصهلْ جراحي كلَّما لمعتْ حرابْ
و نور الفجر منتفضاً ..
يفتح طريقاً للإيابْ
هذي يدي ممدودةٌ للعشقِ من وطنٍ صليبْ
فالطيرُ عادَ مردداً نجوى الحبيبةِ للحبيبْ
و الليلُ أرخي سترهُ
ما عاد ينهشهُ الغريبْ
من صدريَ المفتوحَ شُبَّاكاً و بابْ
خرجَ الصَّهيلُ محطِّماً عالي السحابْ
كي تمطر الدنيا وروداً
تحيي في الرُّوحِ الشَّبابْ
ويتخد الشاعر حسن هادي الشمري من العراق الحزن معزوفة للوطن ينشده على وتر صهيل الجراح يقول :
أسْكِّتْ جِراحْاتّي
أيْا وَطَنــــّي
فَالجِرحُ يَنْزفُ
بَينَ الرُوحِ وَالبَدنِ
وَأكْسِرْ قِيُودَ الذّلِ
مِنْ وَجَعٍ…
وَحَطمْ القُضبْانَ
وَاكـفُرْ فِي عِبْادَتهِ
… ( الـوَثّنِ )
وَالبَسْ ثِيْابكَ
أزْهْاراً مُلوَنةً
وَأخْلَع ْرِدْاءَ الخَوْفِ
وَالخِذلانِ
……. ( وَالكَفَـــنِ )
وَاعْصِفْ كَمْا الرِيحِ
فِي غَضّبٍ
وأدْنُ مِنَ الشَمسِ
كَي تَعْلُو عَلى الزَمَنِ
وَاصْهّلْ صَهْيِلَ الرَعدِ
مِنْ مَطرٍ …
وَاجْمّحْ جِمُوحَ الخَيلِ
وَاتبَعَنَّـــــــــي
حَتى أضَعكَ بِأحْضان
السَمْا قَمْــــــــرَا ً
فَمْا أبْهْى !!
سَماءُ اللهِ مِنْ سَكنِ
لَقدْ حَملتُكَ مِثلَ الأُمِ
فِي طَلَقٍ …
وَالحَمْلُ تَدْرِيهْ
مِنْ وَهْنٍ على وَهَن ِ
وَصرتُ فِيكَ أَمْطارَاً
لِأَغْسِلَ صُبْحِكَ
المَسْكّونِ بالأَدْرانِ
وَالعَفَنِ
وَكَمْ سَهرتُ لَيلِي
كَالمَصدّورِ
مِن َأرَقٍ !!
حَتى تَنامَ عَلى عَينّيَّ
جَذْلاناً .. كَمْا الوَسّنِ
لقد راكمت الشاعرة رشيدة القدميري تجربة ادبية تجعلها تتبوأ مكانة الشعراء المتميزين، وتجد لها موطئ قدم بينهم، بأسلوبها الجميل في ما تكتبه فنجدها شاعرة وقاصة لها حضور قوي في المحافل الأدبية داخل وخارج الوطن
ذكرها الكاتب والصحفي حسن بيريش في تقديمه لديوانها ظمأ النهر بقوله : رشيدة قدميري شاعرة من طراز مغاير .لا تشبه سوى قصيدتها ولا تمتح إلا من ينابيع زخمها الفياض؛ من هنا تبدو قصيدتها موارة باﻻستثناء الإبداعي .حافلة بما يخلق فيها بذور الجمال .تستحرث في اللغة خصبا يلفت القلوب القارئة ، كلما قرأت لهذه الشاعرة قصيدها ، أجد فيها ما ليس في سواها : قوة وإحساس تلهب الحرف .شفيف إدراك بلسم جراح العبارة .ورونق رؤية للحياة تضيئ عتمة الجملة الشعرية . “انتهى ” أنظر ظمأ الحروف للشاعرة “الصفحة 5″
وذكرتها القاصة الشاعرة الأستاذة سعيدة الرغوي في مقال لها منشور بموقع الحوار المتمدن تحت عنوان البوح الشعري عند أنثى عاشقة الوجدان والعاطفة للشاعرة رشيدة القدميري تقول فيه :
إن شعر رشيدة القدميري الوجداني يلبس ألوان روحها ونفسها ليداعب خمائل النفوس مداعبة جميلة ، لأن روحها هذبها العشق والهيام، ولكونها شاعرة تعصف بها التباريح ، فهي تنحث بإزميل الحرف الراقي لوحات متفردة عمادها العاطفة المتقدة التي تملك شغاف القلب فتنساب كلماتها التي تنتمي للسهل الممتنع الى المتلقي بكل يسر . ” انتهى”
وقبل أن أنهي هذه القراءة العاشقة في” صهيل جراح” لابد أن أسلط بعض الضوء على جوانب من البناء الفني المعتمد في ديوانها وذلك بالتركيز على ثلاثة عناصر أساسية وثلاثة مستويات مهمة وهي : أولا مستوى الصورة الشعرية ثانيا مستوى الإيقاع الداخلي ثالثا مستوى الأساليب الفنية . فنجد على مستوى الصورة الشعرية الإستعارات : إشتعل فتيل الشوق ، ابقى سهوب الفؤاد، صقيع جائع ، أحضن نورا يراقص ظلي ،يتراقص المكان صمتا ، تعلو شفاه الوقت ابتسامة ،أخيط ثوبي من عناقيد البرد ،، ذعرت الاشجار ، استأسد الحنين ،يزهر جرحي ، يشعل وجعي ،أحضن ريحا ،تصلب الأمنيات ،عطر يسكر الروح ،على رصيف الخيبة ،أستطل ببقايا حلم ،أتجرع فنجان حسرتي ،مجد نجمة سابحة ،حنين يئن الحنين …
والملاحظ هنا أن الشاعرة تكثر من الاستعارات التي تضيف جمالية فنية عالية على تصويرها الشعري ؛ وهي قائمة على أساس الإنزياح عن المألوف والعادي والصريح لتدخل في عالم الرموز والتلميح واللغة الشفافة الإحائية ، ثم توظف أيضا التشبيه : يزهر جرحي – كصوت البرق والرعد كصهيل الموت ..(الصفحة 12) وتقول أيضا :يبقى الروح قيد احتراق ..كالنار في الهشيم (الصفحة 13)كفرح منسي ..تستوقفني الذكريات (الصفحة 69) كخريف مستعجل الوصل (الصفحة 70) كفكرة شاردة( الصفحة76 ) كتميمة مقظسة ص 31
وتعتمد على الإيقاع الداخلي المتنوع مثل التوازي : ضبابا ناعما – مطرا هادئا – أستمر في مكاني – أتوقف عن حبوي – وأيضا : تسيتيقظ ..تزهر ..تثمر ..
ضاعت السكينة / تضخمت الأحزان ..وكل هذه النماذج من التوازي التركيبي الصرفي الذي يغني الإيقاع الداخلي للقصائد بجرس صوتي عذب ، إضافة إلى إعتماد الشاعرة أيضا على مكونات أخرى تغني بها الإيقاع الداخلي للقصيدة كالجناس والطباق والتكرار والترادف والتنغيمات الصوتية المختلفة والمتنوعة.
أما الأساليب فهي متعددة حيث نجد الإستفهام بكثرة : إلى متى سنصمت ؟ إلى متى نكابر ؟ “الصفحة 20” ما بال هذا الوجع يسبقني ؟ متى يصحو الفرح من سباته ؟ ( ص 42 ) كما نجد أيضا التعجب : ما أغباك يا إنسان ! (ص17) واستعملت الأمر بقولها: اجمعوا ما تبقى من شجاعة ..أوقفوا تساقط الدماء (21) وفي النداء نجد : فيك يا إنسان (ص15) أيها البعيد القريب (ص 38) يا وجعي (ص 69)
وهذه الأساليب المختلفة تقوم بدور كبير في التعبير عن المشاعر والانفعالات الداخلية والباطنية للذات الشاعرة ونقلها إلى المتلقي إضافة إلى أساليب أخرى متعددة ومتنوعة كالشرط والنفي والتوكيد ….
ونلاحظ أيضا إكثار الشاعرة من الجمل الفعلية التي تظل على الحركة والإستمرار والتغير والتجدد في مقابل الجمل الإسمية الدالة على الإستقرار والثبوت والجمود ..
وأترك للقارئ المهتم والباحث النظر إلى جمال مالم نحط به خبرا للإستمتاع بما يجد من جاذبية في هذا الديوان “صهيل جراح”
آثرت في هذه القراءة خروجا عن المألوف أن أنهيها بالتعريف بالشاعرة بطرح السؤال المعتاد من تكون هذه الأيقونة الجميلة ؟
إنها الشاعرة :
رشيدة القدميري
من مواليد مدينة القصر الكبير
حاصلة على الإجازة في البيولوجيا من كلية العلوم بتطوان
أستاذة بمدينة تازة
عاشقة للكتابة والرسم منذ الصغر
صدر لها:
“ظمأ النهر” مجموعة شعرية
“صهيل جراح” مجموعة شعرية
“مجرد سؤال ” مجموعة قصصية
“موت بالتقسيط’ مجموعة قصصي قيد الطبع
عضوة بعدة منتديات ثقافية
عضوة بعدة مجامع ثقافية وطنية ودولية
عضو مجلس الكتاب والادباء والمثقفين العرب فرع المغرب
عضو شبكة تازة التنموية
ولها عدة منشورات في كثير من الجرائد والمجلات
وتم تكريمها في عدة محافل أدبية
وتم الإحتفاء بها من طرف جمعية ملتقى الفن والإبداع بالناظور وأطلق عليها يومها لقب “أيقونة الأدب النسائي المغربي”
سافو المغربية سفيرة الحرف الجميل
قراءة عاشقة الهدف منها التعريف بأدبائنا وشعرائنا في الوطن والوطن العربي ..والله من وراء القصد

………..
تم بحمد الله بتاريخ 17 فبراير 2017
بقلم الكاتب والروائي : مولاي الحسن بنسيدي علي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.