علال الجعدوني يكتب قراءة أولية في رواية « عندما تقرع الطبول» للروائية والقاصة والشاعرة المغربية أمنة برواضي .

 

من يقرأ رواية الروائية أمنة برواضي «عندما تقرع الطبول» سيعيش مع أحداث جد مؤلمة وخاصة في وطن في حالة حرب ، وشعب يعيش تحت القصف المدمر ، الشعب مفتون والعائلات مشرة ، رائحة الموت في كل زقاق ، والرعب في كل مكان ، في المدينة والقرية ، في السهول والجبال ، في كل الشام بلد الحضارة العربية العريقة، نعم الرواية وقائع لعائلة سورية وجدت نفسها محاصرة بين الدمار الذي يدمر كل شيء في بلد لم يعد فيه الاطمئنان ولا السلم ولا السلام ، بل الكل يحاول الهجرة خارج حدود “سوريا” ليسلم من نار الحرب التي تأتي على الأخضر واليابس ، وفعلا حاول نزار أن يوصي زوحته بالفرار قبل الموت المحقق ، وهكذا خرجت زوجته من سوريا هاربة بأبنائها نحو المجهول ، حيث لا تدري أين المستقر، فكانت محطتها شمال إفريقيا وبالضبط المغرب ، ومن الصدف أن يلتقي ابنها عصام بمغربي وبمالي لكل منهم حكاية عريبة ، فالمالي هرب من الفقر المدقع في بلده مع مجموعة من المهاجرين الأفارقة وحلمهم هو الدخول لمليلية للحصول على أوراق الإقامة مع تسوية وضعيتهم بأوروبا ، وسليم مغربي بسبب وضعيته المزرية والفقر الموروث يخدم والديه ، وهكذا انطلقت مسيرتهم في بيع أوراق النظافة وجمع النقود لكي تؤمن لهم الحاجيات الضرورية في الحياة ، فعصام يساعد أمه وإخوانه ومامادو يحاول توفير المال ليغادر الحدود المغربية نحو مليلية كما فعل أخوه من قبل وسليم يوفر المال لاقتناء الأدوية لوالدية . طبعا الحياة لاترحم فكل واحد كان يعاني من مشكل من المشاكل التي تزلزل الإنسان ، ومع ذلك حاولوا ما أمكن خلق جو لتفادي كل العقبات التي واجهتهم سواء الحرب في سوريا أو حلم الإفريقي بالهجرة للغرب أو سليم الذي فرضت عليه طبيعة الحياة مغادرة المدرسة للبحث عن المال لمساعدة والديه ، فكلهم يتقاسمون وضعيات فرضت عليهم من دون اختياراتهم ومع ذلك صمدوا في وجه الواقع المعاش ليفتح الله عليهم يوما ما من رجل كان بمثابة مفتاح الفرج في حياتهم حين أمن لهم العمل بمطعمه لتنكشف لعصام على أن الرجل يعرف أبوه يوم كان مهاجرا بفرنسا ، فعلا الصدفة تلعب في بعض الأحيان دورا لإسعاد الإنسان ، وما حكاه صاحب المطعم لعصام جعله ينتعش نسبيا لكون أبيه ما زال على قيد الحياة ، ولكن الفرحة لم تكتمل لكون السيد صالح لا يعرف أين اتجه أب عصام بعد رجوعه للمغرب …
فعلا الرواية تحمل عدة فقرات الوجع والألم منها : الحرب التشرد الهجرة الصراع مع الحياة المذلة الغربة الحرمان التحدي الصمود والحديث يطول ويطول…. فلو تم تحليل النص من الجانب السوسيولوجي لقرأنا قراءات جد مؤلمة وبالأخص قراءة الحرب وتبعتها من تشرد وما يجري، والتفريق بين الأب والزوجة والأبناء ، والشعور بالغربة في وطن ليس بوطنهم ، والمصائب التي تحوم حول وضعية الإنسان وهلج….
أما من الجانب النفسي فالإحباطات حامت حول حياة الأب والأم والأطفال التي جعلتهم الظروف يعيشون تحت رحمة الحرمان والذل ، مع تدبير الأمور بالنسبة للأطفال في سن مبكرة لتلبية حاجيات الأسر …
والمتتبع لرواية الروائية سيكتشف أن الرواية بمثابة دروس متنوعة ولو أنها دروس قاصية ، بحيث تطرقت للسياسة وما ينتج عنها من مشاكل وصراعات وحروب واستغلال …، وعلى سلوكيات الحياة معززة ذلك بعبر ومواعظ إسلامية تخفيفية على الذات ، وأن الخير لا زال بين الناس ، فبرغم التقلبات في الحياة ، وبرغم الاختلافات ، وبرغم الوضعيات المتنوعة المؤلمة ، فلا زال هناك بصيص من الرحمة والأمل في هذا الكون . فالحياة مدرسة تعلم الإنسان أشياء لا تخطر على البال بل تساعده على الاستفادة من تجارب الغير …
ومن هنا أوصي القراء الكرام قراءة هذه الرواية الرائعة والجميلة التي تشدك فقراتها لتعيش مع كل الوضعيات التي نعيشها في الحياة وربما هي دروس نستعين بها كلما مررنا بمثل الحالة التي مرت بها كل شخصيات الرواية …
بكل أمانة وبكل صدق فالرواية جد قيمة ، ومفيدة ، أتمنى أن تعلقوا عليها عند نهاية قراءتها وعندما تتصفحون صفحاتها بعمق وتحللونها تحليلا دقيقا ، لكونها تحمل دلالات قوية وإشارات قد تساعد الإنسان في الحياة ، كما أنها تحمل أفكارا تساعد على التغلب على بعض المشاكل وقد جاء الكثير من ذلك في سياق الرواية الجميلة .
وخير ما أختم به هو القول : أنه هناك انسجام تام في كتابة أمنة برواضي ، إذ هناك صلة وصل بين النص السردي والواقع الاجتماعي الذي قد يعيشه كل واحد في هذا الكون . كما ان الأسلوب بسيط وجميل وسهل في متناول الجميع غير معقد أو ممل ….
وأتمنى أن أكون قد حاولت إبلاغ المضمون والموضوع والفكرة للمتلقي وقراءة ممتعة لكل هاوي وعاشق للحرف الراقي الهادف في الحياة .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.