الكاتب المغربي مصطفى لغتيري يكتب عن ديوان وتريات الحنين للشاعرة خديجة البعناني.

الحنين إلى ماضي الشعر الجميل مع ما يخلفه في النفس من أثر شفيف وناعم، هو الانطباع الذي يخرج به قارئ هذا الديوان البديع”وتريات الحنين”.. وقد تجسد الماضي في القصائد متألقا على مستوى شكل القول ومستوى فلسفته، إذ نلاحظ أن الشاعرة خديجة البعناني تعض بالنواجذ على البحور الشعرية، ولا تبغي عنها بديلا في بلورة بوحها الشعري، حتى تظهر قصائدها في أجمل حلة وأحلاها، هذه البحور التي تنتقي منها ما خف على السمع إيقاعها، وأطرب النفس نغمها، محاولة بذلك التميز عن جيلها الشعري الذي انعطف نحو قصيدة النثر بشتى تلاوينها، وهي في صوغها الشعري هذا تطل على العالم حيية من منظار حالم، لا شك أنه يورط المتلقي في أجوائه الناعمة. برز ذلك بشكل واضح في قصائدها، التي تفرض علينا، ونحن نتلقاها، أن نستحضر في أذهاننا التجربة الإبداعية للشاعرة الاندلسية ولادة بنت المستكفي، خاصة في ما يخص انتقاء ألفاظ بعينها، تتلخص في حقول دلالية، تضرم في نفس القارئ لوعة الحنين، وتؤجج حرارة الشوق، كما يصدق الأمر كذلك على قصائد أخرى لامست فيها الشاعرة الوطن بمفهومه الصغير، أقصد بلدتها “البروج” التي خصتها بقصيدة” اشتاق” الجميلة، التي تشعرنا بمكانة هذه البلدة في قلب الشاعرة، أو الوطن الكبير بمعناه الوطني والقومي، وخاصة بما يتعلق بالقضية الفلسطينية وذرتها الغراء القدس السليبة، هذا علاوة على هموم الذات التي تنثرها الشاعرة هنا وهناك على امتداد قصائد الديوان، مما يدفعنا ونحن نرتع في رياض الشعر المنبسطة في الديوان، أن نستحضر، وجدانيا على الأقل، تجربة شعراء المهجر بشتى توجهاتهم، أو من خلال تجربة شاعر الثورة أبي القاسم الشابي، الذي تغنى مثل شاعرتنا بالذات والأقاحي والحزن والحنين والوطن. جاء كل ذلك ممتزجا بروح حداثية، تذكرنا كذلك ببعض قصائد الشاعر السوري نزار قباني، تقول الشاعرة:

عَجِبْتُ لِخِلٍّ يَبِيعُ الهَوَى
إِذَا الدَّهْرُ أَبْكَاكَ لَمْ يُجْبِرِ

تَنَاسَى كُؤُوساً حَلَتْ بَيْنَنَا
وَحَرفاً رَقِيقاً عَلَى دِفْتَرِي

هذا النفس الشعري المضمخ بالحنين يمكن ملاحظته كذلك من خلال معارضة الشاعرة لأجمل القصائد، ومجاراة أعظم الشعراء ومنهم على سبيل المثال لا الحصر إيليا أبو ماضي وأبو زريق البغدادي وابن هانئ الاندلسي.

مصطفى لغتيري كاتب مغربي عضو اتحاد كتاب المغرب سابقا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.