اقتباس من رواية “الرّحم” في جزئه الأول “مريم”الصادرة عن دار ومضة للنشر
مراسلة: ليلى لوكريف الجزائر/
• في فرارها الأخير لم تفرّ من دار الأبكم، بل احتمت به لتفرّ من ذاتها، لتفرّ ممّا كانت عليه سابقا.
• هناك حيث لا تلاحقها الأعين ولا تطالها الألسن، بدأتها المخاوف من النضوج، واتّضحت الرّؤى أكثر، وبدا ماضيها كحكاية تكتمل.
• كان الغياب قد ابتلع زياد؛ لكنّ حواء بداخلها لا تزال تفرض نفسها عليها، بدأت تسري فيها وتتغلغل تحت جلدها وتشحن رائحتها بعبق الأنثى، تنفض يديها من إثم الثمرة المحرّمة الذي توارثته، تصمّ أذنيها اللّتان استمعتا يوما إلى الشيطان، أصبحت تحسّ بأنّها هي الشيطان.
• الفراغ بداخلها شنيع، لا تشعر بشيء سوى بحرارة تلفحها من رأسها حتى أخمص قدميها، ثمّ تجتاحها رعدة مفاجئة عندما تتذكّر زياد، هكذا أمضت أيامها ولياليها، تفرّ من اعتناقها لسنن الجسد، يجدُها دائما تحتمي بالعتمة تنصت إلى عالم لا يقدّم لها سوى الصمت، وكأن مخاوفها وجدت اكتمالها في هذا السواد.
• فكّرت الجازية ، وفي الغد استدعت الصبيّة ووشوشتها كمن تبوح بسرّ، لكنّ السرّ في أذن امرأة لا يلبث سوى هنيهة ليشيع بعدها إلى العديد من الآذان:
• ” أضعتُ سلسالا وهو عزيز علي لدرجة لن أتمكن من المضي في الحياة دون أن يزيّن هذا الجيد، سأعمل بنصيحتك الثمينة، لذا من يعيده لي سيكون هو العريس الموعود.”
• واستأمنتها أن يبلّغ المنادي ذلك لأهل الوادي، وبأنّها ستكون آخر مرّة تكتسي كلماتها بصوته، ودار المنادي يصيح وينادي، بأن الجازية تستقبل الخطّاب، ولا شرط لها سوى سلسالها الضائع، وصاغ ما لقّنته عذراء الوادي عن سلسالها الغريب والبعيد عن العادي:
• “سلسالي نذرٌ موسوم لميقات يوم معلوم، نذرٌ سُبكت حلقاته من الأطهر والأنقى والأجلّ.، ولُحِمت من الأخضر والأبيض والأصفر، يتدلّى منه ميقاتٌ ينتظر زمن المجيء، زمن لامع بسحر مكان يطلق سراح العذراء، هذا السلسال موؤود، كذنب غير مغفور، ولا دليل يسوق إليه سوى سرداب مجهول بثّ في غابة أشجارها غدائر العذراء وانتهى السرداب منها وفيها وإليها بقفل طعمه مرّ كحنظلة في جبل مشؤوم”
• … اقتربت منّي أكثر، حتى تلامس جسدانا، وباحت في أذني بالسرّ الذي أردته دوما:
• ” أعثر على حجر المدخل، وفقط جرعة واحدة من دم الغزالة الأريلية تلطّخ عذريّة الحجر وسينهار الجدار”
• ابتعدت عنّي، لكنّي سمعت آخر كلماتها همسا ردّدته عين الصحراء:
• “أنت حرّ”
• صعدت الصخور التي تحيط بالبؤبؤ، وقعت وشجّ رأسي، جرحت يدي مرارا بحوافها المسنّنة، لكنّني وصلت إلى الأعلى.
• بدت الصحراء موطنا وأمّا وحاضنة، وأمَة مطواعةً، كنت أحسّ بالصفاء وتصالحت مع نفسي، ومع جُرمي ومع حقيقتي.
رواية ممتعة.. فيها أصالة الفكرة.. وجودة الأسلوب..